+
أأ
-

احمد الحوراني : حل الدولتين.. مـقـالـة الـمـلـك

{title}
بلكي الإخباري

لعل إصرار جلالة الملك وتمسّكه بـ «حل الدولتين» والثبات على هذه السياسة نابع من أمرين اثنين، أولهما: أن الأردن يؤمن بالسلام الدائم والشامل، وأنه كان دائمًا وما زال يعمل ويشارك في التحركات السياسية أو يبادر هو بنفسه بالتحرك لما من شأنه حل القضايا الدولية والعربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بالطرق السلمية وأنه مع العيش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أسس من العدل والتوازن والاحترام المتبادل، وانه سيعمل حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني وعاصمتها القدس الشريف والتي يقيم عليها الشعب الفلسطيني مجتمعة ويحيا فوقها بحرية وكرامة وأمان.

وثاني هذين الأمرين، أن الأردن وبحكم صلته التاريخية والجغرافية المباشرة بفلسطين أرضا وشعبا ومقدسات، وبحكم مشاهداته لما يجري هناك، يدرك الخطر الكبير الذي سيعود على المنطقة العربية وعلى الشعب الفلسطيني خصوصًا في حال استمرار إسرائيل بعدم الاستجابة الفعلية والتعاطي العملي مع الجهود العربية والدولية الرامية لإنهاء النزاع، وهذا الموقف الأردني انعكاس لما يغني هذا الكيان العربي الهاشمي من سمو في رسالته ووفاء راسخ لامته وأمجادها من ناحية ولفلسطين والقدس من ناحية أخرى.
الملك وفي مقالته التي نشرها الاسبوع الماضي في الواشنطن بوست بعنوان (حل الدولتين انتصار لإنسانيتنا المشتركة) أعاد التأكيد على ما يراه أفقًا واضحًا وواحدًا لا يمكن القبول بغيره ليفضي إلى حل سلمي ووضع حد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والخروج من دوامة العنف قبل الوصول إلى لحظة لا ينفع فيها الندم على ما فات قبل أن (نصل إلى نقطة الانهيار الأخلاقي لنا جميعا) على حد قول جلالته، وبالتالي فإن نشر مقالة في صحيفة واسعة الانتشار على مستوى العالم بحجم الواشنطن بوست، هي رسالة ملك عربي هاشمي يوازن الأمور بمقاييس إنسانية وأخلاقية وقيمية تسمو بنظره على ما سواها من مفاهيم واعتبارات، فالملك يرفض ومن كافة الزوايا قتل الأبرياء ويدين أعمال العنف ويشجب الاعتداء على المستشفيات ويذكّر العالم بقواعد الاشتباك في الإسلام، ويذكر بالقيم المشتركة بين جميع الأديان، وبالتالي فإنه يرى ويؤمن بان حقن الدماء وإيقاف النزاع والعمل من أجل تحقيق السلام لهو الكفيل بتوفير الأمن والأمان، وأن الحلول الأمنية وحدها لن تضمن للإسرائيليين سلامتهم واستمرارهم في حياتهم كالمعتاد، وعليه يصبح السلام مصلحة لجميع الأطراف ولا بد من بذل كافة الجهود لتحقيقه لأن بديل ذلك كما يقول الملك هو المزيد من أعمال التطرف والانتقام والاضطهاد، ليس في المنطقة فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.
في مقالة الملك، ما هو جدير بالاهتمام والتفكير الملي الجاد، والمجتمع الدولي مطالب اليوم بالإجابة على اسئلة جلالته والنظر إلى الواقع المرير وكيف سيكون الحال إنْ استمرت الحرب إلى أكثر من ذلك، والنتيجة بطبيعة الحال كارثية حذّر منها جلالة الملك لأنها سوف تقود المنطقة إلى منحدرات خطرة وإلى شلالات من الدماء التي سيدفع ثمنها الأبرياء من هنا وهناك.
ليلتفت العالم إلى مقالة الملك، وليراجع المئات من خطاباته وكلماته ومقابلاته في شتى بقاع العالم، ولينظر كيف كان وما زال يقرأ الواقع بدقة ويُمعن في تفسير الواقع، ويؤكد إننا أمام لحظات مفصلية وتحديات بالغة، فإن لم يتحرك العالم ويسعى جادًا لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين، فإن الساحة مهيأة لمزيد من الغليان الذي لن يتوقف والذي سيروي الأرض من دماء من سيموتون رجالا وأطفالًا وشيوخًا ونساء لا ذنب لهم