سيناريو ما بعد حرق غزة

بقلم الناشط السياسي أمجد حباشنة
صحيح ان المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد قدمت وما تزال تقدم بطولات أسطورية في معنى الصمود والثبات والتشبث بالأرض وصحيح ان هذا الصمود السريالي الذي وصل حدود الخيال والفنتازيا سيدرس في كتب التاريخ عن أعظم فصل من فصول البطولة لمعارك غير متكافئة استطاع فيها قطاع لا تتجاوز مساحته ٣٦٥ كيلو متر مربع وعدد سكانه لا يتجاوز المليونين ومئة الف ان يواجه كل هذه الأساطيل الغربية والصهيونية التي استخدمت فيها أحدث انواع الأسلحة الفتاكة والمحرمه دوليا في مواجهة أسلحة بسيطة مصنعة يدويا في ظروف من الحصار والقهر والصبر والإيمان.
كل ذلك لا ينكره كل من يتابع الأحداث ومجريات المعارك بموضوعية ولكن الموضوعية أيضا تحتم علينا استقراء واستشراف شكل نهاية هذه الحرب التي يبدو أنها لن تتجاوز الشهرين بحدها الأقصى في قادم الأيام إذا لم يحدث تطورا إقليميا في المنطقة كما نتمنى ليغير شكل المعادلة.
إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليها في ظل هذا التخاذل العربي اللامحدود فنحن أمام كارثة انسانية وهزيمة ستغير شكل المنطقة لترمي بظلالها علينا جميعا ونحن في الأردن تحديدا سنكون في مواجهة تحديات جسام ستقع على عاتقنا في قادم الأيام .
وعلى ما يبدو في هذه المرة اننا أمام صراع لا يمكن أن ينتهي الا بانتصار احد الأطراف والقضاء الكلي على طرف آخر مهما كلفت الحرب من ثمن ومن غير المعقول ان نتخيل ان ينتصر قطاع غزة المحاصر والذي يعاني ويلات الجوع والحصار والنار على أمريكا وإسرائيل ودول الاستعمار القديم _ رغم اننا نتمنى ذلك بالطبع _ ولكن في السياسة والحروب الوجودية لا مكان للأمنيات بل الواقع هو من يقدم نفسه في نهاية المطاف ليسحق كل عواطف الدعاء والاستجداء.
غزة ورجالها ونسائها وأطفال ها قدموا ما عليهم أضعاف مضاعفة من صمود وثبات ودفعوا فاتورة الدم والموقف ولكن علينا أن ندرك ان حديث الناطق الرسمي باسم المقاومة والخبراء العسكريون على بعض القنوات العربية يقدمون رواية من حقهم تقديمها في هذا الظرف لرفع المعنويات وارهاب العدو وهذا امر طبيعي ان يتم الحديث عن الصمود والثبات حتى مع آخر رصاصة يملكها الإنسان المقاوم ولكن هذا لا يعني بالمطلق ان نتحول إلى اصنام بلا مشاعر أمام شاشات التلفاز ننتظر نصرا غير منطقيا.
نحن اليوم بشكل موضوعي أمام قطاع محاصر تم هدم ٧٠٪ من منشآته وتشريد أكثر من نصف سكانه وقصف كافة المستشفيات وكافة المدارس وكافة محطات الوقود والكهرباء وشبكات المياه والصرف الصحي والبنايات السكنية وهذا امر ممنهج يعمل عليه العدو من أجل تحقيق حتمية التهجير بعد أن يتم القضاء على كل المقاومين في القطاع بمباركة غربية أوروبية وعربية بعدها ستتعامل إسرائيل بمنطق المنتصر الذي سيفرض شروطه وستتحرك المنظمات الإنسانية للحديث عن المجاعة والاوبئة وسيتم دفع أهل القطاع إلى خارجه تحت عنوانين : العنوان الأول قوة ونزعة المنتصر الذي سيفرض شروطه والعنوان الثاني استحالة العيش في القطاع بعد هدم كل البنية التحتية وتلوث البيئة وانتشار الاوبئة والامراض .
هذا هو السيناريو المؤكد إن لم تحصل معجزة بتحرك عربي حقيقي ونحن لسنا في زمن المعجزات بكل تأكيد باستثناء معجزة غزة التي صمدت وصمدت فوق طاقتها .
عظم الله اجركم في آخر معاقل الكرامة العربية التي وقفنا جميعا ننظر إليها وهي تقاتل كل العالم نيابة عن كرامة العرب المهدورة تحت أقدام المستعمرين والطغاة .
غزة انتصرت الف انتصار بالمعنى الحقيقي للنصر ولكنها لن تكون على خارطة الوجود قريبا نتيجة الخيانه العربية والإسلامية لها وستبقى لعنة تطاردنا جيلا بعد جيل بعد أن خرجنا من معادلة التاريخ وتحنطنا أمام شاشات التلفاز عاجزين ننتظر نصرا لمن خذلناهم وحياة لمن زرعنا خناجرنا في ظهورهم وقريبا لن يكن هناك سنوار ولا ابو عبيدة ولا دويري ومشعل سيذهب كل منهم إلى طريقه شهيدا في أرضه او مقيما في فندق وسنستيظ ذات يوم وقد نقلت كاميرات الإعلامي العربي معداتها صوب ضحية اخرى !!! .
لا أعرف ان كنا في هذه الجغرافيا من الوطن قادرين على مواجهة حتمية القادم أم أننا سنردد ما تردده غزة اليوم بقولها :
عتب على النفس لا عتب على أحد
أني انادي بلاد العرب يا بلدي !!!



















