البرامج الحزبية كيف ولماذا ؟

د. فلاح سمّور الجبور
الأحزاب السياسية ما هي إلا تعبير عن حجم هائل من التآلفات الفكرية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية، وبما أن البرامج السياسية هي شكل من أشكال السياسة فإنها تعد فرصة مناسبة لمراقبة هذه الأفكار وانتقاء ما يصلح منها. تعمل الأحزاب السياسية من خلال برامجها على تجميع تفضيلات المواطنين ودمجها على شكل مصالح في برنامج انتخابي طويل الأمد، وهذا يوفر للناخبين وسيلة فهم يدركون من خلالها الكيفية التي ستُترجم بها خياراتهم الانتخابية إلى سياسات عامة يمكن من خلالها تحديد المسؤول عن نجاح أو فشل السياسة العامة للدولة، ولا يمكن إغفال أن تنفيذ هذه البرامج يأتي في سياقات معقدة ومتنوعة وإعدادات البنية التحتية المنخفضة.
يقول خبير الديموقراطية "كيم لين شيبيل" " انهيار الديموقراطيات يتبع انهيار الأحزاب" إن الأحزاب الضعيفة والسياسات المجزأة تتوافق مع الفساد لذا لا بد من برامج سياسية تطلق وعود محددة وذات قيمة، فالأحزاب سليمة البرامج تسهم في استقرار النظام السياسي من خلال تدعيم الشرعية بربطها المواطنين بالحكومة عبر ممثليهم، في حين يعجز المرشح الفرد في لعب هذا الدور لعجزه عن بناء سياسات بل يذهب دومًا تجاه لوم الحكومة.
البرنامج السياسي هو مجموعة من السياسات التي يُبتغى منها معالجة مختلف القضايا التي تواجه الوطن، فالبرنامج الحزبي يعبر عن أغراض الحزب التي يستهدف تحقيقها، وهو تجميع لحاجات المجتمع وأولياته، ومن نافلة القول أن برامج الأحزاب قد يتفرد بها الحزب عن غيره إلى حد بعيد وقد يتفق أو يختلف مع غيره كثيرا أو قليلًا، لكنه قطعا برنامج يمثل أسلوب الحزب الخاص وفكره وطرائقه في مواجهة مشكلات المجتمع، ويطرح الحلول العملية للأزمات ويستجيب لما يستجد من مشكلات، استنادًا على تخطيط استراتيجي شاملٍ ومتكاملٍ، للأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة.
ففي البعد السياسي على الحزب السياسي أن يبين في برنامجه السياسي التزاماته السياسية المستقبلية في كافة الشؤون، ومنها مثالًا لا حصرًا؛ العلاقات الخارجية سواء ما يتعلق بالإقليم أو بالعلاقات مع الدول العظمى أو المنظمات الدولية، كذلك لا بد من رأي واضح في الحريات العامة والإصلاح السياسي والاقتصادي، ودستور الدولة وقانون الأحزاب الذي ينشط وفق مواده، ونبذ العنف، وموقفه من قضايا المرأة، والتزامه بالنهج الديموقراطي في معالجة المشاكل السياسية.
في البعد الاقتصادي لا بد للحزب من إيضاح طبيعة النظام الاقتصادي الذي ينتهجه، هل هو الرأسمالي الغربي الذي يعظم الحرية الفردية على حساب حرية المجموعة، ويدعو الى الحرية الاقتصادية، ونظام السوق وتحرير التجارة، ويعمل على إضعاف القطاع العام، ويقلل من سيطرة الدولة، أم نهجه اشتراكي يعزز من قبضة الدولة كضابط للنظام الاقتصادي، أم نظام اسلامي، أم اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يجمع بين الرأسمالية والاشتراكية، والذي يعزز دور الدولة ويسمح بالحرية الفردية في ذات الوقت لكنه يحمي المجتمع من تغول العام على الخاص أو العكس بإيجاد حالة من التوازن بين دور كل منهما.
وعلى البرنامج الاقتصادي أن يبين تفصيلا، كيف له أن يتعامل مع موارد الدولة وكيف سيوظفها، لذا لا بد للبرنامج أن يبنى على أساس واقعي وليس بناء حالمًا لا يمكن تطبيقه، ويشمل البرنامج مما يشمل قضايا الاستثمارات والبطالة والصناعة وكل ما ينمي الواقع الوطني، كما يجب أن يضع البرنامج نصب عينيه كيفية التعامل مع المديونية وتقليلها. ونشير هنا إلى أن أنجح البرامج الاقتصادية وأنجعها هو ذلك البرنامج الذي يبنى بعيدًا عن قيود وتحديدات المؤسسات الاقتصادية الدولية ونقصد البنك وصندوق النقد الدوليين. لذا لا بد لكل حزب من تقديم برنامجًا اقتصاديًا تقدميًا، يتوائم مع إمكانات الدولة.
في البعد الاجتماعي لا ريب أن الخدمات العامة المقدمة للمواطنين والمؤسسات التي تقدم هذه الخدمات، تأتي في سلم أولويات الحزب، وعليه بيان سياساته تجاه الخدمات الصحية، والتعليم والطاقة، وفرص العمل والإسكان، وأن تكون هذه السياسات ابداعية، قابلة للتطبيق، تحقق الرفاه الاجتماعي وتعزز استقرار الدولة.
من خلال الأبعاد(السياسية والاقتصادية والاجتماعية) نخلص إلى أن بناء برنامج حزبي يحتاج كفاءات على مستوى الطرح النظري وقدرات تحول النظريات إلى برامج معقولة ومفهومة، وكل هذا الجهد لا يمكن له أن يؤتي أكله إلا في حال تماشى الجهد الحزبي مع الفهم والإدراك المجتمعي بمعنى؛ أن البرامج الحزبية تحتاج إلى تغطية إعلامية حتى تظهر لجموع الناخبين، فالناخب لن يتعامل مع برنامج غير واضح، كما أن على الحزب أن يمتلك القدرة على تنفيذ برامجه، ويجب عليه امتلاك قدر كبير من القوة والتماسك لتحويل البرامج إلى سياسات، وعندئذ يمكن للناخب اختيار الحزب الذي يمثل سياسات تخدم تطلعاته. وفيما يتعلق بالإدراك المجتمعي لا بد لجمهور الناخبين من مستوى معين من الوعي والدراية بالواقع والخيارات السياسية المتاحة للدولة، ويحتاج الناخب إلى الثقافة فيما يتعلق بالقضايا الحيوية مثل: نظام الضرائب ومعرفة تعقيدات التجارة الدولية، والموارد المتاحة، حتى يمكن له أن يحكم على جودة البرامج الحزبية ويفاضل بينها.



















