سامح المحاريق يكتب : التفكير في مراجعات ذاتية

بلكي الإخباري
علينا أن نأخذ كل شيء على محمل الجد، ولا نمتلك رفاهية التجاهل، ومن ذلك، ضرورة قراءة متأنية لمقولات أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، وهو أحد الخيارات السيئة أيضاً، نسخة أفضل وأكثر عقلانية، وبالتالي، خطورة من إيتمار بن غفير.
على سبيل التشخيص، يؤشر لقاء ليبرمان إلى تحسن نوعي واضح في قدرته على صياغة أفكاره والتعبير عنها، فهل يتحدث بصفة شخصية، أم يعبر عن توجه يتأهب ليقدم نفسه بديلاً؟
في الأردن من المهم أن نفكر في البديل بصورة متقدمة، وأن نفكر في اللحظات العصابية التي يمكن أن تدفع لسيناريو يدفع لتوسعة الصراع من أجل محافظة نتنياهو على موقعه بحكم الضرورة التي تبررها ظروف الحرب الاستثنائية.
أي بديل آخر عن نتنياهو هو بديل أفضل بالتبعية للأردن وفلسطين معاً، أما الأردن، فالرجل لا يحمل الحد الأدنى من النوايا الحسنة تجاهها، وتوجد لديه تصورات عدائية تجاه الملك عبد الله الثاني الذي يعطل على امتداد عقدين من الزمن مشروعين مهمين لنتنياهو، الأول موضعة إسرائيل حارساً للمنطقة، والثاني، الوطن البديل الذي يرضي رغبات المستوطنين ويحوله إلى النبي «بنيامين»، متناسياً من جانبه، أن الأنبياء لا يعملون في السمسرة.
تجاه الفلسطينيين أدرك نتنياهو بعد اغتيال اسحق رابين أنه لا يمكن منحهم أي شيء ذا قيمة، وأن التنازلات يجب أن تتواصل من جانبهم، وأقصى دور يمكن للسلطة أن تؤديه هو التنسيق الأمني، أما الحديث عن الحل النهائي وقضاياه، فمن الأمور غير المطروحة والهدف اختزالهم في أدوار وظيفية تجعلهم يعيشون مزيداً من الارتباط بـ (إسرائيل)، وتقلص خياراتهم إلى الصفر.
استعداد دائم لحرب مع الأردن ومصر، على هذه الأرضية تنبني عقيدة ليبرمان، ويستلزم تحقيق الاستعدادية من خلال عملية إصلاح عسكري واجتماعي في إسرائيل، وهذا يؤسس لعقيدة مقابلة من جانب الأردن، فما الذي يعنيه ذلك؟
اجتماعياً، باستثناء أطياف التصعيد التقليدية والظواهر الهتافية، يمكن القول بأن الأردن يمر بمرحلة ايجابية على مستوى الاصطفاف الوطني، وسياسياً،فالأمور تمضي بصورة جيدة، أما اقتصادياً، فالمشكلة تحتاج إلى تأمل طويل.
الأفكار الطموحة التي تأسست قبل حرب السابع من أكتوبر، تضع استثمارات هائلة على المحك، فإما المواصلة في استدراك ما تبقى من المشروع الإقليمي الإسرائيلي، ويعني ذلك، مواصلة الحرب والتوجه إلى التفريغ السكاني، ودخول الأردن في اقتصاد حرب، تنضاف تكلفتها إلى التكلفة التي تكبدها الأردن في الحرب على المخدرات ومن قبلها التهديدات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وسيكون الأردن وحيداً تقريباً يؤدي واجبه الوطني والقومي.
وإما، وهذه إما مراوغة، أن تكون أحداث السابع من أكتوبر هي الضربة التي تنهي المشروع الإقليمي وتعيد هندسة الزخم الاستثماري في المنطقة، وهو ما يدفع الأردن في ظل تعمق حالة عدم اليقين إلى تعزيز سياسة الاعتماد على الذات، وهذه مسألة تحتاج إلى مراجعة مطولة، وربما إعادة ترتيب الأولويات بشكل مختلف.
المنطقة العربية تعيش حالة من الاستنزاف المادي منذ الربيع العربي، والأردن ليس استثناءً من ذلك كله، وفواتير انقطاع الغاز المصري ومواجهة مشكلات الطاقة ما زالت مفتوحة، والأردنيون لا يستطيعون أن يتفهموا في وسط حالة الحماس التي يعيشونها تكلفة حالة الحرب الاحتمالية في هذه المرحلة، ولا توجد نوايا للتفكير في استعادة السبعينيات والثمانينيات التي شهدت التزامات عربية واسعة أسست لاقتصاد يعتبر المساعدات جزءاً أًصيلاً في هيكليته تحت ذريعة تعزيز صمود الأردن في مواجهة (إسرائيل).
الواضح إلى الآن وجود حسم للخيارات الوجودية تبلور في لقاء الملك مع قادة هيئة الأركان السابقين ومدراء الأجهزة الأمنية السابقين، وهذه مسألة لم تعد تستدعي القلق، مع وجود إشارة واضحة فالمواقف الملكية بجانبها السياسي والعسكري، والإنساني كذلك، تعني أننا دائماً على درجة عالية من الجاهزية للدفاع عن وطننا وثوابتنا وكذلك في مساندة الحق الفلسطيني.
تتمثل مشكلة حالة اللا حرب – اللا سلم في طبيعتها الاستنزافية، ومع حالة الاستغراق في الجانب العسكري والدبلوماسي من المستوى الأعلى في الدولة، والتدابير الحكومية التي تتركز على تعزيز الهوامش في صورة المخزونات الاستراتيجية وإدارة التمويل، فما الدور الذي يجب علينا في المجتمع المدني من إعلاميين وحزبيين ونقابيين أن نقوم به خارج المزايدات والمناكفات، وآخرها الإضراب الذي أتى في خارج سياق أي معنى، مع الرفض للتشكيك في نوايا المضربين.
أما مرأى المحلات المغلقة والاقتصاد المعطل، فهو أمر يسعد بعض الجهات التي تعرف مدى أثره على الاستنزاف الذاتي بما تخسره الحكومة من عوائد ضرورية لإجراء عمليات المناقلة في الهوامش. البعض في ذروة الدفاع عن الإضراب تحدث عن العدد الكبير لأيام العطلات في الأردن متناسياً أن العطلات تشتمل على حركة في السوق وفي بعض القطاعات التي تنتظر العطلات وتعتبرها فرصاً.
بالمناسبة، الفلسطينيون كانوا أصحاب أطول إضراب في التاريخ وكان من غير أثر حقيقي في الصراع مع المستوطنين الصهاينة، إن لم يكن ذا أثر سلبي لأنه كان إجهاضاً مبكراً للبرجوازية الفلسطينية لمصلحة تأكيد سيطرة القوى الإقطاعية غير المنتجة على المشهد.
ربما بدأت الكتابة عن ليبرمان ووصلت إلى أصحاب المطاعم، ولكن يوجد ترابط بين الأمرين، وربما من هذا المنطلق يمكن قراءة المقال مرة أخرى



















