د . محمد رسول الطروانة : لماذا طبيب الأسرة؟

لماذا طبيب الأسرة؟ سؤال العارف للجواب و سؤال الراغب بتسويق الجواب لبعض أصحاب القرار ممن يعانون من قصر النظر ورجفان اليد، كل هذه الاسئلة المباح منها وغير المباح، جوابها يبدأ بقول واحد هو أن طبيب الأسرة يعتبر المدخل لأي نظام صحي قوي وهو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية، حيث يلعب طبيب الأسرة دورًا حيويًا في تقديم الرعاية الصحية للأفراد والأسر في المجتمع، وهو يفترض أول من يلجأ إليه الأفراد للحصول على الرعاية الطبية الأولية والتوجيهات الصحية.كثير من الكلام قيل عن طب الأسرة، وكثير آخر كتب عن أنظمة صحية تبنت مفهوم طب الأسرة وعدة ندوات عقدت عن نهج طب الأسرة في اليومين الماضيين وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي لطبيب الأسرة والذي يوافق 19 في ايار من كل عام، وياتي الاحتفال هذا العام تحت شعار «كوكبٌ صحيٌّ، أُناسٌ أصِحَّاء»، ويؤكد ذلك على الدور المحوري الذي يؤديه أطباء الأسرة في رسم ملامح الصلة بين صحة كوكبنا وتوفير الرعاية الصحية المستمرة والشاملة والرحيمة لجميع الناس.
إن ممارسة طبيب الأسرة تتميز بالشمولية والاستمرارية والتنوع بغض النظر عن الجنس أو العمر، فهي من المهد الى اللحد، حيث يتعامل طبيب الأسرةمع مجموعة واسعة من المشاكل الصحية والاحتياجات الطبية للمرضى ولديه المعلومات و المهارات والقدرة على حل مشاكل حوالي 90% من الحالات المرضية، بحيث يتم علاجهاعلى مستوى طبيب الأسرة، و10 %فقط يحتاج إلى المتابعة من قبل الاختصاص يينفي الأمراض الأخرى في المستشفى التي تستدعي تنويما أو إجراءات جراحية أو إجراءات متقدمةمن جهة الفحوص التي لا تتوافر عندطبيب الأسرة، وهذا ما اثبتته الدرسات في الدول التي تبنت نهج طب الأسرة مبكرا، فممارسة طبيب الأسرة تبدأ قبل حدوث المرض وقبل تشخيص المرض، أي في مرحلة منع حدوث المرض (الوقاية منه)، مرورا بالكشف المبكر عن المرض وتشخيصه وعلاج الأمراض الشائعة، فهو الخبير بإدارة الامراض المزمنة، والقادر على تقديم الرعاية التلطيفية والتأهيلية لمرضاهإن لزم الامر، وصولاً الى توجيه وتحويل المرضى إلى التخصصات الطبية المناسبة، فطبيب الأسرة يتعامل مع الصحة والمرض من منظور ثلاثي الابعاد (عضوي، نفسي–سيكولوجي، اجتماعي).ممارسة طب الأسرة تعتمد على العلاقة القوية التي تبنى بين الطبيب و المريض وأسرة المريض والمجتمع الصغير الذي يسكن فيه، علاقة طبية -اجتماعية- ثقافية تعتمد على الثقة والاحترام، علاقة متميزة تعتبر نقطة الارتكاز لدور طبيب الأسرة، فهو يتفهم ويقدر الظروف الإنسانية لمرضاه خاصةنوعية وحجم معاناة مرضاه، يحترم خصوصيتهم، هذه العلاقة تأتي من المتابعة المستمرة فيصبح طبيب الأسرة المرجع الصحي لجميع أفراد الأسرة.طبيب الأسرة يتميز بالقدرة على الإصغاء الجيد و الاستماع بتأني والتفاعل مع مختلف الثقافات والخلفيات، فهو لا يتفاعل مع المرض والمريض فحسب، بل يعرف المجتمع المحيط بالأشخاص قبل أن يمرضوا ويدرسه جيدا عندما يمرضوا، ويتعامل أيضًا مع المحددات الاجتماعية والبيئية المختلفة للأمراض في كل منطقة محيطة بالسكان لتجنب مسببات الأمراض قبل حدوثهاأو التقليل من حدوثها.طبيب الأسرة قادر على استخدام التكنولوجيا الحديثة لتمكين الافراد وتحسين صحتهم وعافيتهم، بحيث يساعد الطب عن بُعد والاستشارات عن بُعد أطباء الأسرة وكوادر الرعاية الصحية الأولية على إنجاز مهمتهم وتيسير سُبل وصول المرضى إلى الخدمات في اسرع وقت وفي كافة الظروف وباقل الكلف.وفقا لمنظمة الصحة العالمية يتخرج سنويا حوالي 700 طبيب أسرة في اقليمنا، في حين حاجة الاقليم، حسب التقديرات، إلى 21 الف طبيب أسرة جديد كل عام لكي يتحقق المعيار العالمي المتمثل بتوفير ثلاثة أطباء أسرة لكل 10 الاف نَسَمة، أما حاجة الاردن اليوم، فتقدر ب ثلاثة الاف طبيب أسرة، متوفر منهم أقل من 500 طبيب في كل القطاعات الصحية في المملكة، ولسد الفجوة في الأعداد المطلوبة من أطباء الأسرة يبدو أننا بحاجة ماسة- أمس قبل اليوم -لتبني نهج طب الأسرة، وذلك في ضل محدودية أعداد الخريجين في هذا الاختصاص، إذ لا يتجاوز عددهم ال40-50 طبيبا سنويا من كل القطاعات، فقد أصبحت الحاجة ماسة لإطلاق دبلوم مهني لنهج طب الأسرة، مما يوفر التدريب لآلاف من أطباء العامين والكوادر الصحية التي تساند طبيب الأسرة ضمن عمل الفريق، حيث يعمل طبيب الأسرة كمنسق وكقائد للفريق الطبي الذي يعاين الحالة بشكل شمولي ومتعدد الأوجه.ربما يكون مفهوم طب الأسرة جديدا لدى الكثيرين، ولكنه في الأوساط العلمية والأكاديمية مفهوم متقدم بدأ تطبيقه بشكل مبكر في الدول الغربية خصوصاً في أمريكا وبريطانيا وكندا في الستينيات من القرن الماضي، فطبيب الأسرة حاصل على تعليم هو تدريبه فيتخصص طبيبا لأسرة لمدة أربع سنوات بعـدحصوله على الطب العام وحاصل على شهادة البورد في هذا التخصص ويتميز بتقنية ومعرفة تؤهله لتقديم رعاية صحية شاملة ومستمرة في الصحة العلاجية والوقائية لكـــل فرد بغض النظر عن الجنس أو العمر أو طبيعة المشكلة سواء كانت مرضا عضوياً أونفسياً أو سلوكياً.خلاصة القول، الرعاية الصحية الاولية هي الاساس لاي نظام صحي قوي ومرن وطبيب الاسرة هو ركيزتها ولا يمكن الوصول الى التغطية الصحية الشاملة دون تقوية الرعاية الصحية الاولية وتمكين طب الاسرة



















