+
أأ
-

الدكتور محمد رسول الطراونةيكتب : الصحة في مرمى التغيرات المناخية

{title}
بلكي الإخباري


لقد بات واضحا وبما لا يقبل الشك أو التأويل بأن ضربات التغير المناخي ستطال العديد من المواقع الجغرافيه على كرتنا الارضية وستطال الكثير من القطاعات الحيوية و ستكون موجعة لبعضها ، ولعل قطاع الصحه سيكون أحد القطاعات التي ستتأثر مبكرا بالأثار السلبية الناجمة عن هذه التغيرات المناخية إذا لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة و شموليه و بالتعاون مع القطاعات الاخرى من خارج الصحة ، سيؤثرالتغير المناخي بشكل كبير على صحة السكان في الأردن من خلال زيادة درجات الحرارة والتي لمسنا بعضها في الأيام القليلة الماضية وأصابنا جرعات قليله منها وكأنها من باب الايقاظ والتحذير المبكر لما هو قادم ، ولعل هذا الصيف أو الصيف القادم على أبعد تقدير سيكون حار جدا - ولا أستبعد غليانه - وسيكون أكثر مما اعتدنا عليه في السنوات السابقة ، و سيكون اعلى من قدراتنا المحدودة على المستوى الفردي لا بل والمؤسسي ، مختصرالكلام – صيف قد لا يطاق .
وفي ذات السياق ، وكما يقول أهل الاختصاص في دائرة الارصاد الجوية سيكون هناك تغير واضح أيضا على نمط الأمطار وكمياتها ومدة الامطار وأشياء اخرى كثيره ستتغير ، أفصحوا عن بعضها والبعض الاخر ما زال في جعبتهم تحت مسمى - الله أعلم - وستكون هناك زيادة في تراكم الغبار والأغبره بأشكالها المختلفة الناعم منها وغير الناعم ، و ستكون هناك حصة لأم ( البسيسه والتوز) وغيرها مما يعلق غباره في المجاري التنفسيه وتلك التي تستقر بين الجفنين والتي تسد الاذنين ، لا تنفع معها الكمامات وما شابهها مما سيزيد من شدة الامراض التنفسية مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية والحساسية وغيرها . ارتفاع درجات الحرارة حتما سيؤدي إلى الانهاك الحراري وضربات الشمس وزيادة حدة الجفاف والى نقص آخر في المياه التي يعاني منها الاردن أصلا كونه مائيا من أفقر بلدان العالم - وهذا بالتأكيد سيؤثرعلى إمكانية وصول المواطن الاردني إلى المياه النظيفة والصحية سواء منها للشرب أو الغسيل مما سيؤدي الى ظهور بعض الامراض المرتبطه بشح المياه مثل الجرب والتقمل وغيرها ، و مع إرتفاع درجات الحرارة ، سيزداد إنتشار الحشرات مثل البعوض والقراد والصراصير والخنافس ، مما سيزيد من إنتشار الأمراض المنقولة بواسطة هذه الحشرات مثل الملاريا وحمى الضنك وغيرها ، و يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة و التغيرات في البيئة إلى زيادة انتشار بعض الأمراض المعدية مثل الإسهالات والتسممات الغذائية ، أما التلوث البيئي الناجم عن التغير المناخي سيؤدي حتما إلى زيادة مشاكل التنفس وانتشار الأمراض التنفسية ، وقد يؤثر التغير المناخي على الحالة النفسية للأشخاص وسيؤدي إلى زيادة حالات الاكتئاب والقلق ، كما يمكن أن يؤدي التغير المناخي إلى نقص في الموارد الطبيعية والغذاء الصحي ، مما سيزيد من انتشار الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكري.
بالنظر إلى كل هذا وغيره الكثير ، يمكن القول بأن التغير المناخي يمثل تهديداً كبيراً على صحة السكان في الأردن ، مما يحتم إتخاذ إجراءات فعالة لتخفيف تأثيره وحماية الناس من الأمراض المرتبطة به.
وأتذكر هنا، بأنني في عام 2011 قد ترأست فريق من وزارة الصحة للعمل على تطوير أول استراتيجية وطنية للتكيف المناخي، بهدف تعزيز القدرات على التكيف والاستعداد للتأثيرات الصحية السلبية الناجمة عن التغير المناخي في القطاع الصحي الأردني ، إلا أن تنفيذ هذه الاستراتيجية انذاك واجه تحديا كبيرا تمثل في تدفق اللاجئين السوريين وما شكله من ضغط على النظام الصحي بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا لاحقا ، حيث أدت هذه التحديات إلى اتخاذ تدابير صحية متواضعه إتسمت بالاستجابة السريعه والمؤقتة بدلا من المرونة ، مما أدى إلى عدم تنفيذ هذه الاستراتيجية ، وقد علمت ان الوزارة حاليا تعكف على تطويرها واعداد استراتيجية عشرية جديده .
اليوم ، أصبحت الحاجة ملحة لإجراء تقييم حقيقي وواقعي للمخاطر الصحية المحتملة للتغيرات المناخية التي من الممكن أن تؤثر على السكان ، هذا التقييم سيكون بمثابة حجر الأساس لوضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة لتحسين الصحة العامة والوقاية من الأمراض التي قد تنشأ أو ترافق التغيرات المناخية ، وذلك حفاظا على الأمن الصحي في الأردن.
اليوم ، هناك حاجة ملحه لتحديث الخطة الوطنية للتكيف مع التغير المناخي وفقا للأدلة والبراهين والمعطيات الحديثة بما يضمن تعزيز القدرة على التكيف مع التغير المناخي وتحسين البنية التحتية لمجابهة اثاره السلبية المحتملة.
اليوم ، الاردن بحاجة ماسة الى تبني مبادرة بناء نظام صحي مرن ومستدام بيئيًا، نظام صحي أكثر مرونة في مواجهة الاثار الناجمة عن التغيرات المناخية وهذا يتطلب وبشكل عاجل تحديث تقييم قابلية التأثر والتكيف للاثارالصحية للتغيرالمناخي في الأردن والذي تم تنفيذه في عام 2012 ، ليتسنى بعد ذلك تحديث السياسات والبرامج الصحية المناسبة و تحديث الجزء الخاص بالصحة ضمن الخطة الوطنية للتكيف مع التغير المناخي بناءً على الأدلة الجديدة الناشئة عن تحديث تقييم قابلية التأثر.
اليوم، علينا ان ندرك بأنّ مواجهة آثار التغير المناخي التي من شأنها مستقبلاً أن تهدد النظام البيئي والصحي تتطلب تكاتف الجهود من جميع القطاعات وزيادة الدعم المالي والفني للقطاع الصحيً وتحسين البنية التحتية له وزيادة التوعية والتدريب للكوادر الصحية على كيفية التعامل مع هذه الآثار وحصر المشاكل الصحية والأمراض المرتبطة بهذه التغيرات ورصدها.
خلاصة القول ، لان الصحة باتت في مرمى التغيرات المناخية ، فنحن اليوم ، بحاجة وبشكل عاجل الى استراتيجية جديدة تضمن المزيد من مشاركة الجهات المحلية والاقليمية و الدولية المعنية، وتوسيع نطاق التقييم ليشمل بالاضافة الى مساهمات مرافق الرعاية الصحية في تغير المناخ، ولكن أيضًا مرونتها في مواجهة العواقب المرتبطة بهذه التغيرات ، استراتيجية تعزز الأطر التشريعية للعمل المهني الهادف.
*مدير الاكاديمية الدولية للصحه المجتمعية