+
أأ
-

جريمة الزرقاء وفتاة المعادي والعنف المتزايد

{title}
بلكي الإخباري





بقلم : احمد سعيد الطنطاوى - الاهرام المصرية





ما الذي يحدث فى مجتمعنا العربي من أقصاه إلى أقصاه؟!.. هل تتحقق فينا مقولة محمد الماغوط القاسية والمؤلمة: "ما من جريمة كاملة في هذا العصر سوى أن يولد الإنسان عربيًا"؟





من الأردن إلى الجزائر مرورًا بمصر جرائم تهز الرأي العام وتضج بها صفحات التواصل الاجتماعي ، ويتفاعل معها الوزير والغفير والملوك والفنانون.





في الأردن جريمة بشعة هزت المجتمع، مواقع التواصل الاجتماعي لم تهدأ من متابعة حادثة وصفت فيما بعد بـ " جريمة الزرقاء " نسبة إلى محافظة الزرقاء التي وقعت فيها.. حين تم "التنكيل" بفتى يبلغ من العمر 16 عاما، ببتر يديه وفقء عينيه بأدوات حادة.. الفعل الشنيع جاء على يد مجموعة قيل إنهم ينتقمون من والد الطفل، المحكوم عليه بالسجن.





ملكة الأردن رانيا العبدالله، كتبت غاضبة تعليقا على الحادثة: "كيف نعيد لك ما انتزعه المجرمون، وكيف نلملم أشلاء قلب أمك وذويك؟ كيف نحمي أبناءنا من عنف وقسوة من استضعف الخلق دون رادع ولا وازع؟ جريمة قبيحة بكل تفاصيلها… قلوبنا معك، فأنت ابن كل بيت أردني! وأضم صوتي إلى الأصوات التي تنادي بأشد العقوبات لمرتكبيها"، حسب قولها.





فى الجزائر وقعت جريمة اغتصاب وقتل وحرق، والضحية فتاة فى التاسعة عشرة من عمرها.. كأننا أمام مجانين في فيلم رعب هوليودي وليس واقع يُعاش.. جريمة بشعة هي الأخرى جعلت المجتمع يُستفز ليحقق العدالة لتلك الفتاة، وخرج مطالبا بإعادة النظر فى القوانين التى تحمى المرأة، ومراجعة مسألة إلغاء عقوبة الإعدام في البلاد.





في مصر جريمة أخرى بشعة شهدها الحي الراقي، المعادي، وكتب عنها الجميع، حين تعرضت فتاة للقتل والسحل حتى تهتك جسدها وماتت، تحت عجلات سيارة ميكروباص بيضاء، خلال مطاردتها وخطف حقيبة يدها.





الجريمة قلبت الرأي العام رأسا على عقب نتيجة انتشارها تحت وطأة توصيف أنها جريمة تحرش أدت إلى القتل، لكن الداخلية المصرية قبل أن ينتهي اليوم كشفت ملابسات الحادث وقبضت على الشابين السارقين اللذين نفذا الجريمة .





هذه العينة من الجرائم فى الوطن العربي!! هل تُعني أننا أمام ظاهرة عندنا دون غيرنا من البلاد؟! بالطبع لا.. فتلك الجرائم يحدث مثلها فى أماكن عديدة في العالم.. لكن يمكننا القول أن هذه الجرائم بدأت تزيد وتنتشر.. ولا نعرف هل يرجع ذلك لانتشار الكاميرات أو الإعلام أو انتشار منصات التواصل الاجتماعي ؟! أم لانتشار ثقافة تبرير العنف .. فمازلنا نعتقد أن التحرش يحدث نتيجة الملبس أو كشف الشعر أو جزء من الجسم، ومازلنا نبرر ضرب الأبناء بعدة طرق.. ومازلنا نبرر ضرب الزوجة.. فتبرير العنف لا يتوقف.





وقيل على سبيل التندر، هناك طريقتان لارتكاب الجريمة ‏:‏ أن ترتكبها‏..‏ وأن تقرأ صفحات الحوادث بصفة مستمرة.‏. لكن مؤخرًا توارت صفحات الحوادث خلف منصات التواصل الاجتماعي .. ومعرفة الجريمة لم تعد مقتصرة على عدد نسخ الجريدة فقط أو قرائها، بل أصبحت منتشرة على قدر عدد المعجبين والمتابعين وأصدقائهم، وكل من يحمل هاتفًا ذكيًا.





لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى لعنة، فبقدر قدرتها الكبيرة على تقصير المسافات بين البشر، بقدر الإحباطات والاضطرابات والانتكاسات التي تُسبّبها لهم!





وكلما اضطربت وانتكست أحوال المجتمعات، - كما حدث بعد ما يسمى ثورات الربيع العربي - يُصبح العنف أداة للحوار، وقانون "القوة هي التي تسود" أضحى منطقًا شبه عام عند الجميع، فهنا فقط تظهر الجرائم الغريبة والحوادث العجيبة بوجهها البشع التي تتلقفها منصات السوشيال ميديا كجائع يتلقف قطعة لحم طازجة.. فيلوكها وينشرها ويوسع من تأثيرها.





وبدلا من نشر الأمل والتفاؤل والسعادة والطاقة الإيجابية، وتحفيز الناس على الحياة والبناء والتواصل الثقافي والعلمي والمعرفى.. تحولت السوشيال ميديا – في أحيان كثيرة - إلى نشر البشاعة والإحباط والكآبة بجانب التشويه والتزييف والابتذال والاستخفاف.





وأصبحنا الآن نرى الحياة اليومية للسفهاء مصدرًا للدخل عندهم، بل وصل الدخل إلى عدة ملايين فى العام الواحد.





يقول نوبواكي نوتوهارا في كتابه "العرب وجهة نظر يابانية": إن الجريمة امتحان كبير لعدالة البشر، ولوعيهم ومسئوليتهم، وامتحان للكرامة والشرف والضمير في وقت واحد".. وها نحن نختبر فى كرامتنا وشرفنا وضميرنا.





لذلك يجب أن نجلس وندرس ونوضح لماذا أصبحت هذه الجرائم تتكرر بل وتزداد؟!.. وعلينا أيضًا أن نفهم أن المسألة أكبر من جريمة متكررة بصورة أو بأخرى.. وعلينا تحديدها هل هي نتيجة لتبرير العنف أم لانتشار منصات التواصل أم لأسباب أخرى تجمع كل ما سبق؟!!