+
أأ
-

الدكتور محمد رسول الطراونة يكتب : رائحة اللامركزية في زيارات دولة الرئيس

{title}
بلكي الإخباري

يبدو أن الأردنيين لم يعتادوا بشكل كامل على زيارات رئيس الوزراء الى المحافظات أو على تلك الزيارات التي لا تغطى إعلاميا من التلفزة وغيرها، و حال لسان بعضهم يقول هل هي زيارات " لذر الرمال في العيون " أم لإرضاء نائب أم لتلبية دعوة الى مأدبة غداء كبرى يدعى لها سادة القوم في المحافظة خاصة ممن يحظون برضى عطوفة المحافظ ، أمر غير اعتيادي أن يفيق الاردنيون على خبر مفاده أن مجلس الوزراء قد عقد جلسته الاسبوعية بعيدا عن الدوار الرابع وفي محافظة تبعد عنه ما يزيد على مائة وخمسين كيلومترا ، أي ما يقدر بساعة ونصف من السفر الشاق ، سفر لا ترى معه شاطئ البحر أو ماء النهر ولا الخضراء أو الخضرة ، صحراء قاحلة لم تشفع لطريقها أي من مشاريع التشجير باستثناء شجيرات في مدخل القطرانة كان المرحوم وصفي التل قد غرسها ، سفر على طول طريقة الصحراوي يطارك شبح الموت خوفا من تجاوز شاحنة يقودها سائق أرعن قادم من جنوب الجنوب ، أشياء كثيرة أفرزتها غفوة زوار الجنوب من المسؤولين على طول طريقها من بعد المطار الى مدخل العقبة ، كل هذه والكثير من المثبطات المحبطات لم تمنع الرئيس من أن يصطحب وزراءه لعقد جلسته الخارجية الاولى بجوار قلعة الكرك وعلى بعد كيلومترات من مؤتة الشهداء ومزار الصحابة وعلى ( مقرط ) العصا كما يقول الكركيون من بوتاس وفوسفات واسمنت المملكة .لعل في زيارة المحافظات تمرين حي لنفض الغبار عن ملف اللامركزية التي لم يكتب لها رؤية النور منذ ولادتها المتعسرة بقانون مبتور، لعلها الطريق نحو استراتيجية لتعزيز التنمية المحلية التي ايضا لم يكتب للكثير من خططها الديمومة ، على أية حال وبدون الكثير من ( لعل) و بعيدا عن النظرة التشاؤمية لأن التفاؤل بالخير هو بداية الطريق اليه ، وإن لم اتشرف بلقاء دولة الرئيس أو العمل معه في الربع قرن الماضية من عمري التي قضيتها في القطاع العام والتي لم أندم عليها ، الا ان ما نعلمه عن شخصيته في حدود ما تسرب الينا ، أنه رجل يحب الحلول العملية ويجد نفسه في الميدان أكثر من مكاتب الرابع حيث جاء على لسانه بأن أهمية هذه الزيارات تنبع من ضرورة الاستماع لمشاكل المواطنين في عقر دارهم ومعالجة الممكن من قضاياهم الملحة ، زيارات مهمة لترتيب أولويات العمل وتفعيل دور المجالس المحلية ، زيارات تعكس التزام الحكومة بتحسين صورة الأداء الحكومي التي تشوهت في العقد الاخير ، فيها خطوات لتعزيز الشراكة مع المجتمعات المحلية بنية تحقيق التنمية المستدامة.إن عقد جلسات مجلس الوزراء في المحافظات - كما حدث في الكرك- وكما يقول الكركيون ( ضربة معلم ) ، فهي خطوة استراتيجية لتعزيز التنمية المحلية و ترسيخ مفهوم الرؤية التنموية لكل محافظة ، ولأن أهل مكة أدرى بشعابها ، يُمكن للحكومة الاستجابة بشكل أفضل لمطالب المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية من خلال التعاون مع المجالس المنتخبة والهيئات المدنية المحلية لضمان أن تكون الأولويات متوافقة مع احتياجات المجتمع المحلي ، مما سيساهم في تحديد المشاريع الضرورية التي تحتاج إلى تسريع الإنجاز خاصة تلك التي عبرت الوزارات المتلاحقة او ما تعطل منها وبقي دون حلول لعقود ، مع ضرورة تخصيص الموارد اللازمة لتلك المشاريع فهي مدخل لتوفير فرص عمل للمتعطلين من ابناء المحافظة ، ومن يدري لعلها فرصة لاستقطاب الاستثمارات ، فيها فرص لتحسين الخدمات الأساسية وتطوير البنية التحتية و تعزيز التنمية الاقتصادية ، فرصة للاستفادة من سلة الكرك الزراعية لا بل الاردن (الاغوار الجنوبية ) لدعم المشاريع الزراعية والتصنيع الغذائي ، فرصة لزيادة المساحات الخضراء ، فرصة لتطوير السياحة المحلية ( قلعة الكرك ، متنزهات عين سارة ، مشهد مؤته ، وادي ابن حماد ) وغيرها من المواقع التي لم تكتشف بعد سياحيا ، أما الفرصة الذهبية في هذه الزيارة تكمن في تمكين المجالس المحلية من إدارة الموارد بكفاءة بعد مراجعة التشريعات التي تعيق العمل .المكسب الحقيقي من وراء هذه الزيارات ، أن تهدف مبادراتها إلى تحسين جودة حياة المواطنين وتعزيز رفاهيتهم من خلال توفير خدمات شاملة متكاملة وملائمة ، فهي خطوة مهمة نحو تعزيز اللامركزية وتحسين مستوى الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين ، من منطلق أن اللامركزية تقاس بدرجة عدم تركيز السلطة في العاصمة أو في الاشخاص لا بل من خلال توزيعها بين الأشخاص في المستويات الإدارية المختلفة ونقلها من المستويات الادارية العليا إلى المستويات الدنيا في المحافظات ولا تعني تفويض الصلاحيات فقط ، لان تفويض الصلاحيات قد يتم دون نقل المسئولية الحقيقية المخولة بموجب القانون.يُتوقع أن يُسفر الحوار بين الحكومة والمجالس المحلية عن مجموعة من المخرجات المهمة التي تعزز التنمية المحلية وتحقق أهداف اللامركزية ، لعل من أبرزها تحديد أولويات التنمية من خلال تحديد المشاريع التنموية ذات الأولوية لكل محافظة ، مما يضمن تخصيص الموارد بشكل فعال وفقاً للاحتياجات المحلية كما تعزز هذه الزيارات الشراكة بين الحكومة والمجالس المحلية ، من خلال التعاون المستمر ستتمكن المجالس المحلية من لعب دور أكبر في اتخاذ القرارات التنموية ، مما يعزز من فاعليتها وكفاءتها في إدارة الموارد، و سيساهم الحوار في تطوير خطط تحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية مما ينعكس إيجاباً على جودة حياة المواطنين.خلاصة القول ، هذه الزيارات تعكس نية الحكومة تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة في جميع المحافظات، لتحسين مستويات معيشة المواطنين وتعزيز الاستقرار الاجتماعي ، وأن تطبيق اللامركزية سيساهم في تحديد وتلبية الاحتياجات المحلية المستجدة والمتطلبات الاجتماعية ومراجعتها بشكل دوري.على أية حال تبقى المركزية واللامركزية أمران ضروريان لأي نظام يقدم خدمات للمواطنين ، لكن الأمر يكمن في ماهية وحركة التوازن بينهما ؟ وفي أي اتجاه يجب أن يكون تسارع كل منهما ؟