الدكتور محمد رسول الطراونةيكتب : هجرة الادمغة الصحية العربية بين التحديات والفرص

حطت رحالي الاسبوع الماضي في فندق الفصول الاربعة في عمان الغربية وهو نفسه فندق ( الفورسيزونز) وذلك تلبية لدعوة كريمة من معالي وزير الصحة بصفته وزيرا و رئيسا للدورة المنفضة لمجلس وزراء الصحة العرب وبصفته ايضا رئيسا للهيئة العليا للمجلس العربي للاختصاصات الصحية ، وبحكم جيرة السكنى وحسن الجوار مع هذا الفندق وسهولة الوصول اليه في أقل من خمس دقائق سيرا على الاقدام مع الحفاظ على فرصة توفير دينارين وهي مخصصات " الفاليت " غير الشرعي بدل اصطفاف سيارة ولكوني تاريخيا أقبل جميع الدعوات التي تصلني بخصوص أي نشاط يعقد في هذا الفندق حتى حفلات الخطوبة والاعراس يتم تلبيتها بدون تفكير او تردد ولان الدعوة كانت تحت عنوان المؤتمر العربي الاول حول دور الكفاءات الصحية العربية المهاجرة في دعم النظم الصحية في الدول العربية وتحت الرعاية الملكية السامية فقد ألغيت جميع مواعيدي الرسمية وغير الرسمية ولبيت الدعوة لا بل كنت من أوائل الحضور الى القاعة ، وللامانة فقد كان التنظيم والترتيب والاستقبال (على اخر سنجة ) وكان المتحدثون من خيرة من يتحدث سواء من وزراء الدول التي شاركت شخصيا او افتراضيا او من الادمغة الصحية العربية المهاجره ، حيث أجمع المتحدثون على حقيقة لا يمكن أن يختلف عليها إثنان بالغان عاقلان مدركان وهي أن هجرة الأدمغة وخاصة الصحية الطبية تعد ظاهرة من أسوء ظواهر انتقال الموهوبين من بلد إلى آخر بحثاً عن فرص عمل وظروف حياة أفضل ، و يُشار اليها أيضاً ب "هجرة المواهب" أو "هجرة العقول"، ومما يريح البال من كثرة التفكير في البحث عن الاسباب أنها ظاهرة عالمية وليست حصرا لبلد معين ، وثبت ايضا أن البحث في جذورها متعب ومضيعة لجهد ووقت الباحثين ولوقت الادمغة المهاجرة ايضا ، فعلية و شرعا يجوز القول في مثل هكذا حالة - حط راسك بين الروس وقول مرحبا بقطاع الروس- ليس خنوعا أو إستسلاما بل لان هذة الظاهرة لها تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية في البلدان المعنية ، فالافضل أن نبحث عن الايجابيات ونستثمر فيها ، ولنا أن نلعن السلبيات فلا ضير في ذلك ، على أن لا نتوقف عندها كثيرا خاصة عندما تكون الايجابيات هي الاكثر.يقولون وقد قال قولهم او مثلهم أغلبية متحدثي المؤتمر بأن هجرة الأدمغة وخاصة الطبية منها تظل قضية حيوية تحتاج إلى حلول شاملة ومستدامة لضمان تحقيق التنمية في البلدان النامية دون فقدان العقول والمهارات ، كلام كبير والحلول المنشودة على الارجح لن تكون في متناول اليد وإن أتاحت الظروف لبلد من البلدان النامية بالوصول الى أي من هذه الحلول سيكون من الصعب إقناع عقل او دماغ مهاجر ذاق لذة الحياة هناك و استقر في بيئة عمل مثالية - ولا في الاحلام حتى- وظروف معيشه فوق الريح له ولعائلته وحتى للكثير من ابناء عشيرته وأبناء جيرانه أحيانا، حياة ليس بالامكان أو المقدور تأمينها في مسقط رأسه ، لذا أرى انه و اختصارا لكل المؤتمرات والندوات والكتابات لنبحث في كيفية الاستفادة من هذه العقول المهاجرة وهي في عشها ومكان عملها ، الاستفادة من خبراتهم وهم في مكانهم ، نذكر من هذة الاستفادات في هذا المقام بعض ما لم يذكره المتحدثون من المؤتمرين ، على سبيل المثال ، أن تقوم الادمغة المهاجرة بتدريب أبناء جلدتها على المهارات التي اكتسبوها او أن يقوم مجموعة منهم بالاستثمار الصحي في بلد المنشاء ويديرهذا الاستثمار المقيمون في البلد ، اما المهاجرون يشرفون ويقدمون الاستشارة عن بعد أو أن يوفروا فرصا للتدريب والتخصص للمقيمين في البلد ، فهم اي المهاجرون يعلمون جيدا أن نقص الفرص الوظيفية كانت في مقدمة الاسباب الرئيسة والمحركة والمسرعة لهجرتهم ، فغالبًا ما تكون الفرص الوظيفية والرواتب محدودة في البلدان النامية ، مما يجعل الباحثون عن العمل ينظرون إلى الخارج للعثور على وظائف أفضل.علينا أن نقر بأن من مخاطر هجرة الأدمغة فقدان الكفاءات حيث يفقد البلد الأصول البشرية والمهارات اللازمة للنمو الاقتصادي ، لكن هناك إيجابيات لهجرة الأدمغة تكمن في تحسين الدخل حيث يمكن للعائدين من الهجرة تحسين دخلهم ومساهمتهم في التنمية وفي دوران عجلة الاقتصاد الوطني ، لهم دور في نقل التكنولوجيا والمعرفة إلى بلدانهم ، ولهم ايضا دور كبير في زيادة الاستثمار عندما يرسلون أموالهم لبلدانهم، مما يزيد من استثماراتهم.عودة الى سلبيات هجرة الأدمغة حيث تفاقم من نقص المهارات في الدول النامية ، قد يخسر البلد الأم مهاراته الأساسية في مجالات حيوية وهامة مثل الرعاية الصحية والتعليم.تسعى معظم البلدان التي تعاني من هجرة الادمغة إلى تحديد سياسات واستراتيجيات للتعامل مع هذة الظاهرة، وتتضمن هذه السياسات إنشاء بيئة مناسبة للاحتفاظ بالمواهب المحلية وجذب المواهب الأجنبية ، إضافة إلى تعزيز الابتكار وتحسين فرص العمل وتطوير البنية التحتية والخدمات العامة.يمكن الاستفادة من الادمغة الطبية المهاجرة دون ان نوجع أدمغتنا ونضيع الوقت بالبحث عن طرق لاعادتهم ، الاستفادة يمكن ان تتم من خلال تنظيم برامج لتبادل الطواقم الطبية بين الدول مما يعزز الخبرات والمهارات او انشاء شراكات او توقيع اتفاقيات توأمة مع مؤسسات صحية ( مستشفيات ، مراكز طبية) في المهجر ونظيراتها في الوطن لتعزيز الابتكار وتطوير الانظمة الصحية ويمكن ايضا استخدام التقنيات الحديثة لتعزيز التعاون بين الكفاءات الصحية في المهجر ومؤسساتهم في الوطن من خلال تقديم الاستشارات الطبية عن بعد عبر الانترنت او تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتبادل المهارات بين الكوادر الطبيةخاتمة الكلام ، نحن بحاجة الى بناء قاعدة بيانات وطنية تضم معلومات عن الكفاءات الصحية المهاجرة لتسهيل التواصل والتعاون معها.



















