+
أأ
-

د. محمد رسول الطراونة : التغطية الصحية الشاملة على مكتب دولة الرئيس

{title}
بلكي الإخباري

أكتب سنويا وللعام الرابع، مقالا حول التغطية الصحية الشاملة، ومما دفعني للكتابة هذا العام تلك الدعوة التي وصلتني قبل اسبوعين من أمين عام الجمعية الاردنية للتأمينات الصحية للمشاركة في المؤتمر السنوي للجمعية بعنوان التغطية الصحية الشاملة بين الاستراتيجيات والتطبيق، حيث عقد المؤتمر الاسبوع الماضي برعاية رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز وبحضور رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عمر الرزاز ووزير الصحة الاسبق رئيس اللجنة الصحية في مجلس الاعيان الدكتور ياسين الحسبان حيث عقد المؤتمر على مدار يومين في أحد فنادق البحر الميت وب?شاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين في القطاع الصحي.الجلسات النقاشية تناولت واقع التغطية الصحية الشاملة، ودور القطاعات المختلفة في تحقيقها، والتحديات التمويلية، واستراتيجيات تعزيز التغطية الصحية في المملكة. للاسف ولظرف خاص اعتذرت عن عدم تلبية تلك الدعوة علما بأنني كنت في الاعوام السابقة ألتزم بالحضور والمشاركة دون المبيت أي مهرولا، وقد استشرفت مخرجات وتوصيات المؤتمر من بعض الحضور، ولأن هناك من يتهمني بأني «عراب» التغطية الصحية الشاملة محليا واقليميا ويقولون أيضا من أحدهم دوليا، خاصة مع منظمة الصحة العالمية حيث وصلتني «رسالة واتس» من صديقي الدكتور عوض مطرية ?هو مدير التغطية الصحية الشاملة في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط مفادها أنه افتقدني في المؤتمر.بالمناسبة؛ الرجل لدية أكثر من 15 عامًا من الخبرة في تقوية النُظُم الصحية واقتصاديات الصحة وهو ممن «عاسو طبخة» التغطية الصحية في الاردن في بدايتها و» عوس» في اللغة تعني العمل الجاد.لعلها فرصة في هذا المقال أن أضع على مكتب كل من دولة الرئيس الدكتور جعفر حسان ومعالي صديقي وزير الصحة الدكتور فراس الهواري ما كنت قد أقوله لو شاءت الظروف وحضرت المؤتمر.دولة الرئيس، لعلك تعلم أن جلالة الملك–حفظه الله–وفي أُكثر من مناسبة وجه رأسي القطاع الصحي العام–وزير الصحة ومدير الخدمات الطبية الملكية–والمعنيين برسم السياسات الصحية في المملكة الى تكثيف العمل لشمول أكبر شريحة من المواطنين في التأمين الصحي وصولا الى التغطية الصحية الشاملة، وتعلم دولتك أيضا أن كتب التكليف السامي لرؤساء الحكومات السابقة في العقد الاخير قد اشتملت وبشكل مباشر على توجيه ملكي للمضي قدما لتحقيق التغطية الصحية الشاملة.دولة الرئيس، ثمة وعود قد قطعها بعض رؤساء الحكومات السابقة في العقد الاخير بأن حكوماتهم جادة في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، لا بل أن أحدهم (والعبد لله) كاتب المقال شاهد عيان عندما أعلن في خطاب عرمرمي أمام حشد من الحضور في أحد فنادق عمان الفخمة بأنه سيلتقي بهم بعد ثلاثة شهور لمناقشة تفاصيل هذا المشروع الوطني، ومضت الشهور لا بل والاعوام دون الوصول الى التغطيه الصحية الشاملة المنشودة بالرغم من توافر الإرادة السياسية العليا الكاملة نحو تحقيقها والمتمثلة في توجيهات جلالة الملك المستمرة الى جميع الحكومات منذ تو?يه سلطاته الدستورية لتوفير تأمين صحي شامل وعادل ومستدام.دولة الرئيس، معالي الوزير، التغطية الصحية الشاملة التي يريدها سيد البلاد تعني وببساطة أن يحصل جميع السكان على جميع الخدمات الصحية الضرورية الاساسية والجيدة التي يحتاجونها من تعزيز الصحة إلى الوقاية والعلاج والتأهيل والرعاية التلطيفية دون تعرضهم لضائقة مالية جراء ذلك، لان التغطية الصحية الشاملة مفتاح التنمية المستدامة ورفاهية الشعوب.دولة الرئيس، معالي الوزير، أذكركما بأن تحقيق التغطية الصحية الشاملة أحد الأهداف التي تبنّتها بلدان العالم–والاردن منها–عندما اعتمدت أهداف التنمية المستدامة في عام 2015، وأن تقدم البلدان نحو تحقيق هذا الهدف يشكل تقدّماً في بلوغ الغايات الأخرى المتعلقة بالصحة والأهداف الأخرى للتنمية المستدامة، كما صادق الاردن على الاتفاق العالمي الرامي إلى المضي قدمًا نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030، وصادق الاردن ايضا (وانا شاهد عيان) ومن خلال وزير صحته في الاجتماع الوزاري رفيع المستوى على إعلان صلالة في عُما? عام 2018 بخصوص التغطية الصحية الشاملة.دولة الرئيس، يا سادة يا كرام، التغطية الصحية الشاملة التي نقصد لا تعني مجانية جميع التدخلات الصحية بصرف النظر عن تكلفتها، فهذا ليس بمقدور أي بلد في العالم، ولا تتوقف على مجرد تأمين حزمة الخدمات الصحية الاساسية، ولكنها تتعلق أيضاً بضمان التوسع التدريجي في تغطية هذة الخدمات والحماية من المخاطر المالية مع توفير المزيد من الموارد البشرية، وقد أظهرت التجربة التايلاندية أن تحقيق التغطية الصحية الشاملة ليس حصرا على الدول الغنية وإنما يمكن تنفيذها في البلدان متوسطة أو محدودة الدخل إذا توافرت الارادة السياسية والتخ?يط العلمي الجيد.دولة الرئيس، معالي الوزير، تعلمان جيدا بأن التحرك نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة يتطلب بعض الاساسيات البسيطه منها تعزيز النظام الصحي، توفير هياكل تمويل متينة ومستدامة، الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية الجيدة التي تقوم على العدل والإنصاف والاستدامة لتكون حجر الزاوية في تحقيق هذة التغطية وكذلك الاستثمار في القوى العاملة في الرعاية الصحية الأولية هذه هي الطريقة الأكثر فعالية والاقل كلفة والاسرع نحو التغطية الصحية الشاملة، فهي ممكنة التنفيذ,. لكن تنفيذها يتطلب التحول من نظام صحي يتمحور حول الأمراض (خدمات ?لاجية في المستشفيات) إلى خدمات صحية تتمحور حول المجتمع والافراد (خدمات طب الاسرة والرعاية الصحية الشاملة في المراكز الصحية).دولة الرئيس، دعني أذكرك، وانت رجل تخطيط واقتصاد، أن هناك منافع صحية واقتصادية وسياسية كثيرة ستحققها الدولة عند تنفيذ التغطية الصحية الشاملة..صحيا بلا شك، ستتحسن صحة السكان وسيرتفع متوسط اعمارهم..اقتصاديا، فمن خلال توفير الحماية من المخاطر المالية المرتبطة بالنفقات الصحية ستحد من الفقر وستعزز المساواة الاجتماعية وستزيد من انتاجية الافراد، مما ينعكس إيجاباً على النمو الاقتصادي العام.أما سياسيا، لعلّ افضل مثال ما فعله رئيس حكومة إندونيسيا (جوكو ويدو) الذي شكل إصراره على تحسين تغطية الرعاية الصحية سببا رئيسيا في تحسين وضعه السياسي من محافظ لاحدى المدن الصغيرة إلى رئيسٍ للحكومة.دولة الرئيس، معالي وزير الصحة، لتضمنا أن بوصلتكما موجهة نحو التغطية الصحية الشاملة، أنصح ببناء نظام تأمين صحي وطني إلزامي وموحد (خطان تحت موحد) يقوم على مبدأ تقاسم المخاطر، فالتغطية الصحية الشاملة تقتضي توفير التمويل اللازم وتعزيز الموازنات المرصودة للصحة، إضافة إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة من القطاع العام، وبناء شراكة حقيقية مع القطاعات الصحية الاخرى وتطوير نظام شراء خدمات استراتيجي وفق معايير الجودة للخدمة المقدمة والسعر المناسب والعدالة في الوصول لهذه الخدمات للجميع.خلاصة القول، جلالة الملك وفر الارادة السياسية العليا، على الحكومة–وانا متفائل- أن تحقق هدف التغطية الصحية الشاملة، الهدف المنشود المفقود، وبوركت الجهود المبذولة من دولتكم ومعاليكم لتعزيز منعة النظام الصحي الوطني، والله من وراء القصد