د محمد العزة يكتب : الحد الأدنى للأجور بين المنظور والمحظور

ملف رفع الحد الأدنى للأجور لاشك أنه ملف من الملفات على مستوى عال من الأهمية، وكيف لا وهو ملف يمس طبقة كبيرة وشريحة واسعة من أغلبية المجتمع الأردني وخاصة الطبقة الفقيرة منه في القطاعين العام والخاص، ملف ينتظره وينظر له الأردنيون في شوق واشتياق، وهو بالمثل ينتظر من يتعامل معه من المسؤولين الأردنيين أصحاب القرار في الجهات المختصة والمعنية بكل شفافية وموضوعية ومسؤولية وجدية اذا ما ثبت إمكانية تنفيذه، كونه ملفا يناقش دخل كل مواطن في هذا الوطن العظيم وينعكس على مستوى معيشته.
مقترح القرار المنظور على طاولة الحكومة جاء بتوصية برفع الحد الأدنى للأجور من 260 دينارا أردني إلى 300 دينار أردني، وهو رفع من واقع الطبقة الفقيرة غير مرض، ولاثبات ذلك لو ضربنا مثلا لعائلة مكونة من خمسة أفراد ( الاب، الام، ثلاثة أولاد) سنجد أن احتياجات هذه الأسرة ستتجاوز حاجز 400 د دون داخل ملكية خاصة موزعة شهريا كالآتي ( 20د مصروف مدرسي , 50 د افطار صباحي، 120 د وجبة غذاء، 20 د وجبة عشاء، 60 فاتورة مياه وكهرباء، 10 د فاتورة دواء للحالات الطارئة، 50 د أجور مواصلات نقل عام، 20 د حلويات وبدل رفاهية ) المجموع يقارب 355 دينار دون البحث في تفاصيل الحالات الأخرى.
لنقول أنه قرار بالاتجاه الصحيح ويبعث في نفس المواطن الكادح شعور مريح أنه هناك رسائل من صاحب القرار في الحكومة بأنه يتفاعل بشكل حقيقي مع دعوة التكليف الملكي في كل مرة لكل حكومة بالتركيز على تحسين أوضاع المواطن ومعيشته، لكن شيئا يحدثني في نفسي وفكري ومنطقي يدفعني بأن أشعر وانظر بأن أمر ما سيجعل هذا القرار، بالقرار المحظور ولأكون متفائلا كعادتي على الأقل سيؤجل والسبب أن هكذا قرار، نعم يصب في مصلحة تحسين مستوى الخدمات المعيشية للمواطن الأردني لكنه بحاجة قبل اتخاذ هذه الخطوة إلى تحسين البنية التحتية الاقتصادية والإدارية، ومراجعة القرارات الحكومية السابقة، ومصارحة الشعب عن السبب لاتخاذها وشرحها. الحكومة صرحت عن موازنة 2025 بقرابة 12 مليار ونصف دينار أردني 10.5مليار دينار أردني ستذهب للنفقات العامة أغلبها رواتب قطاع عام و1.5 مليار دينار أردني لخدمة مشاريع رأسمالية إنتاجية والإيرادات المتوقعة، 10.5 مليار دينار أردني اي بعجز 1.5مليار دينار أردني اي أننا لا نملك الكثير لنقدمه للقطاع العام.بما يخص القطاع الخاص هذا القرار أو المقترح سيكون بين مطرقة (ارتفاع كلف التشغيل وحساباتها من طاقة وباقة قرارات إقرار الضرائب وسياسة الجباية من رسوم وجمارك وضرائب دفعها ويدفعها رأس المال وتم رفعها تكرارا ممنهجا بتوصيات برنامج الإصلاح الاقتصاد الاردني بداعي حمايته من تقلبات تداعيات الأوضاع في الأسواق العالمية سلبا، قبل فترة وباء الكورونا وما بعده، ويسجل للبنك المركزي دوره ) وليكون ما بين سنديان ضعف الاستثمار وضعف القوة الشرائية للمواطن وضعف العجلة الاقتصادية وتداعيات الأحداث السياسية الحالية في المنطقة عليها، ولعل هذا ما يدفعنا دائما للبحث عن اسواق خارجية جديدة لمنتجات اردنية جديدة، بعد غلق الأسواق العربية المحيطة.حتى لو قلنا تجردا بعيدا عن العاطفة أن الايادي العاملة الأردنية هي منتج وجب وضع برنامج حكومي لتأهيله بما تحتاجه اسواق العمل الخارجية والمحلية حسب متطلبات واحتياجات السوق هو أحد الحلول السريعة إلى حين ضبط معادلة رفع حد الأدنى للاجور وملف الإنتاج وعوائدها وارباحها لدى رأس المال حيث لا نريد تكرار تجربتنا في ملف المالكين والمستأجرين، وإعادة النظر في منظومة الضرائب وخفضها ولا نطالب بالغائها وعكس الفرق على الرواتب.هذا الموقف اسجله ليس انحيازا لرأس المال فمن يثبت قدرته على رفع مستوى الحد الأدنى للأجور ولا يفعل، هذا من الواجب مراجعته وإن لم يلتزم كان لزاما توجيه له تهمة اقتصادية باستغلال العمالة الوطنية.
وايضا حتى لا نعطي العمالة الأردنية املا ووعدا لا يمكن تطبيقه، ويكون ما فعلناه هو تسجيل موقف أو إصدار رأي، ثم مراقبة صاحب الصلاحية والمسؤولية غير قادر على ترجمة ما أقر كتوصية.
علينا وضع خطة عمل ملزمة للحكومة أو الحكومات بحد أعلى ضمن مدة على مدار عمر ما يقدر بفترة حكومتين، يكون التأكيد والتركيز فيها على التسريع بخطة مسار التحديث الاقتصادي والإداري وحل جميع الاختلالات والتشوهات والمعوقات أو الذرائع التي قد تستخدم كبينة دفاعية ضد هذا القرار، قرار يمكن نحن بحاجته جميعا لكن لا نريد أن يكون تحت تأثير عاطفة حماسة مرحلة تحديث وحكومة جديدة ومجلس نواب لم تنضج البيئة ولا الادوات فيه لتحقيق توصيات مثل رفع الحد الأدنى للأجور.الاشتراكية الإنتاجية وهي فلسفة إقامة مشاريع وطنية استراتيجية تملكها الدولة والقطاع الخاص عائدها الى خزينتها العامة والمساهمين قد يكون أحد الحلول في الإنفاق على وتشغيل الايادي الأردنية وبناء عجلة اقتصادية على إثرها تلمس الطبقات الاجتماعية الأردنية وخاصة الطبقة الوسطى والفقيرة بالتحسن، أيضا سيكون هناك مساحة اقتصادية محددة لرأس المال الوطني الخاص الذي أيضا سيشهد نموا تمكنه من إقامة مشاريع اقتصادية رأسمالية خاصة به مستقلة كما في السابق كان من أبرزها وأهمها قطاع الأدوية الاردني والقطاع الطبي والصلب والتعليم ومجالات أخرى صناعية وتجارية اوجدت الطبقة الغنية.
هذه الفلسفة الأشتراكية التشاركية قد تكون إلى حد ما احد أوجه فلسفة الديمقراطية الاجتماعية التي تبنتها الدولة الأردنية لكن لم تحافظ على توازنها وايضا التأثيرات السياسية المتعددة واهمها انتهاء ثنائية القطبية العالمية واختفاء أو تراجع الأفراد والمؤسسات التي تتبنى فكرها السياسي، ولاحقا هيمنة قطب الرأسمالية ورجالاتها داخل الحكومات الأردنية ضمن ما يسمى بحركة نيوليبرال الذي قفز بالاردن واقتصادها قفزة في الهواء دون أي حسابات لنمط الاقتصاد الأردني وسلوك مواطنه الاستهلاكي الأمر الذي أوجد فجوة طبقية ومشاريع تنتج لغايات ريعية عكس ما كانت في السابق
.لعل التحولات الاقتصادية داخل الدولة الأردنية وتأثرها بفكر تياراتها النيوليبرالية السياسية وارتباطاتها التي إدارة الحكومات في اخر 30 عام وأنتجت فئة من أصحاب القرار أغفل أنسنة الاقتصاد هي التي جاءت وراء الدفع بمسارات التحديث الثلاث لعلاج وتقييم نتائج أداء هذا التيار النيوليبرالي ونهجه الأمر الذي تطلب البحث عن وصفة سياسية، اقتصادية، إدارية ثالثة، ( لا اشتراكية ولا رأسمالية ) تكون العلاج الناجع والناجح وإعادة عافية اقتصاد هذا الوطن ليكون اقوى واقدر على تجاوز تحدياته الحالية وتحقيق كل تطلعاته المستقبلية او ما هو منظور ولايعرف المحظور مادام يملك رؤية القيادة الهاشمية الحكيمة والعزيمة والكفاءة والإمكانيات الأردنية الوطنية لتنفيذها لتكون قرارات حقيقية وليست وعودا مستحيلة


















