+
أأ
-

زيد ابو زيد يكتب...تقييم في تقييم تجربة التعليم عن بعد محطات ومواقف

{title}
بلكي الإخباري

منذ بداية جائحة كورونا ووزارة التربية والتعليم منشغلة بالكامل في البحث والتطبيق والتدقيق لكافة نظريات التعليم التي تمكن الطلبة من الحصول على حقهم في التعليم، وكذلك كان الانشغال لمراكز حقوق الإنسان ومنظمات دولية ومحلية مهتمة بالشأن التربوي، وكان السؤال الدائم لماذا الفجوة في الوصول لكافة الطلبة إلى التعليم؟ وكيف يمكن سد هذه الفجوة؟ وهل يحقق التعليم عن بعد نتاجات التعلم المطلوبة؟ وإذا كانت الإجابة بلا، أو بنعم فما هي حيثيات هذه الإجابة وتفاصيلها وأسسها وقواعدها ومرتكزاتها ومرجعياتها عند أصحابها؟
وهنا لا شك في احترام وزارة التربية والتعليم وهي الوزارة المنفتحة بالكامل على المجتمع والعالم والإعلام لكل الآراء والأفكار الواردة إليها لتقييم تجربة التعليم عن بعد وملف التعليم الإلكتروني بمجمله، ولكن هل كانت التقييمات للتجربة منطلقة من شعار الإنسان أغلى ما نملك؟ وهل وصول الطلبة كافة إلى التعليم كان متحققًا تحققًا كليًّا في كل دول العالم التي اجتاحها الوباء؟ وهل نناقش أولويات في زمن فيروس كورونا بالنسبة إلى أي دولة؟ وإذا كانت صحة المواطن هي أولى أولويات أي دولة للإنسان فيها اعتبار كبير، فإن التعليم هو الأولوية الثانية للدول التي يُعَدُّ فيها الإنسان ثروة الوطن وأساس نهضته ومستقبله كالأردن، ولا يمكن للتعليم أن يكون أولى الأولويات إذا كانت صحة الإنسان وحياته مهدده، بل يجب السعي إلى التوازن بين إشباع الحاجات وابتكار الوسائل التي تحافظ على صحة الإنسان، وفي الوقت ذاته ضمان سبل عيشه وتأمين غذائه ودوائه وتعليمه.
من هنا كان التعليم عن بعد الوسيلة الوحيدة للحفاظ على حق الطلبة في التعليم مع الحفاظ على صحتهم في ظل ظروف الجائحة المستشرية. ونظرًا لحاجة الوزارة الدائمة وعملها على أرض الواقع لتطوير التجربة وتلافي السلبيات كانت دعوة وزارة التربية والتعليم إلى جميع المراكز والمنظمات المهتمة والكتاب والصحفيين الراغبين في التعرف إلى حقيقة تجربة التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا، وأشدد على ذلك لأننا لا نعيش رفاهية وقت ظرف وبائي مستقر بل انتشار مجتمعي يتطلب الحرص والحذر، وبالرغم من ذلك فلطالب المعرفة وفهم الواقع زيارة مؤسساتنا التعليمية ليقيم التجربة مباشرة وواقعيًّا بعيدًا عن الآراء والأفكار والمواقف المسبقة وتصيد مشكلة هنا أو هناك.
ومن الأمثلة على المواقف التي وصلت إلى وزارة التربية والتعليم بيان أحد المؤسسات الوطنية الوازنة برمزيتها وشخوصها، ودراسة منظمة دولية حول التعليم عن بعد، ومواقف بعض الصحفيين والكتاب ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى مواقف أولياء أمور الطلبة والمعلمين والخبراء والمختصين.
لقد جاءت البيانات والتعليقات والملاحظات مطالبة الحكومة بإعادة النظر في سياسة التعليم عن بعد، والتي انْتُهجَت ضمن الإجراءات الرسمية الرامية إلى الحد من تفشي فايروس كورنا في صفوف طلبة المدارس مجانبة للصواب، ومغيِّبة لحقيقة أن الأردن يمر بمرحلة تفشي لجائحة كورونا، وأن نسبة كبيرة من الفئة العمرية التي أصيبت بالوباء هي من فئة طلبة المدارس، وأن عودة الطلبة للتعليم الوجاهي تحمل خطورة كبيرة على سلامة الطلبة ومعلميهم في المدارس بكل القطاعات.
ونؤكد هنا أن مقولة "إن العديد من الطلبة في مختلف مناطق المملكة يعانون من عدم إمكانية الوصول إلى الحق في التعليم بصورته الحالية المتمثلة في التعليم عن بُعد؛ نظرًا لعدم قدرة ذويهم على توفير متطلبات التكنولوجيا الحديثة وأدواتها وتحمل التكلفة الناشئة عن ذلك، خاصةً في ظل وجود أكثر من فرد في الأسرة الواحدة يتلقى هذا النوع من التعليم" مبالغ فيها؛ إذ أظهرت كثير من الدراسات أن معظم الأسر الأردنية تمتلك أجهزة ذكية، وتمتلك اتصالًا بشبكة الإنترنت، وهذا لا يعني وجود فئات لم تتمكن من الوصول إلى التعليم ولكن الحقيقة أن الوزارة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السير في إجراءات تقديم التعليم عبر منصاتها التفاعلية والبث التلفزيوني، وإما ترك الطلبة دون تقديم خدمات التعليم، وهو خيار لا يمكن للوزارة أو الحكومة القبول فيه، وتسعى الوزارة عبر شراكاتها مع المنظمات الدولية والشركات المحلية والحكومة إلى تقديم أجهزة ذكية (تابات/لاب توب) إلى الطلبة المحتاجين، وتقديم حزم اتصال لهم ضمن خطتها لسد الفجوة الحاصلة في عدم وصول الخدمات.
وفي ما ذكر "إن على الجهات المعنية توفير أرقام ومعطيات دقيقة حول أعداد الطلبة الذين لا تتوفر لهم أدوات التكنولوجيا الحديثة، وبيان ما تم توزيعه من أجهزة وما سيتم توزيعه على الطلبة والآلية المعتمدة لذلك، لمعرفة الطلبة الذين يحتاجون إلى هذه الأدوات والمناطق الجغرافية التي يتواجدون فيها" فإن الوزارة ستقدم كل الأرقام ضمن خطتها لسد الفجوة.
وفي مطالبة الحكومة بـ"إعادة النظر في الوضع القائم، وإعادة تقييم القرار الصادر بانتهاج سياسة التعليم عن بعد حتى نهاية الفصل الدراسيّ الأول، والبحث عن خيارات بديلة، فإن الوزارة تراجع الوضع الحالي باستمرار لتحسين المحتوى التعليمي وطرائق التدريس.
لقد قدمت تجربة الجائحة للعالم فرصة كبيرة للتعامل ونقل الخبرات في كل المجالات تعليميًّا وتربويًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا لمواجهة جائحة لا تعرف للحدود معنى أو مسمى، فقامت الحكومة باتخاذ حُزمة من الإجراءات القاسية منذ اليوم الأول للأزمة؛ منها تعليق الدوام في جميع المؤسسات التعليمية، واتخاذ قرار التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني، وضمان وصوله إلى أكبر عدد من الطلبة. وتُثبت الأرقام التي توازن بين دراسات إحصائيات تملك المواطنين والأسر للأجهزة الذكية ووصول خدمة الأنترنت أن غالبية الطلبة تصلهم خدمات منصات تعليم وزارة التربية والتعليم، ومن هنا فإن بعض الدراسات ليست دقيقة بالمطلق لاعتمادها على عينة غير منتظمة وغير ممثله للطلبة في بحثها عن مدى وصول خدمات التعليم للطلبة.
إن الدولة الأردنية بجميع مؤسساتها، وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ومتابعته اليومية أدركت جيدًا حجم تأثيرات هذه القرارات على التعليم، فكان القرار الذي اتخذه وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي باعتماد مصفوفة إجراءات وعدة سيناريوهات للتعليم عن بعد مع توازن بين مطلبي التعليم والصحة، ووزارة التربية والتعليم تؤكد اتخاذها قرارات مهمة عند عودة الطلبة إلى المدارس وقبل ذلك عبر سلسلة نشاطات من منازل الطلبة؛ لأن الغياب الطويل للطلبة عن المدارس له كلفته التربوية والاجتماعية والنفسية التي تعلمها الوزارة جيدًا.
إن وزارة التربية والتعليم والحكومة وكل مؤسسات الدولة تعلم أن الجائحة مستمرة، وهي مضطرة إلى مواجهة وباء كورونا الجامح بكل الوسائل والطرائق مع استمرارية الحياة بكل تفاصيلها استدراكًا لمشهد قد يكون أكثر قسوة فيما لو وقفت الحكومة من دون اتخاذ اللازم من إجراءات وقرارات، ومنها قرار العودة إلى المدارس.
إن طرائق التعلم في العالم كثيرة، وستوفر وزارة التربية والتعليم محتوى علميًّا عبر منصتها الإلكترونية إلى جانب البث التلفزيوني للمباحث الدراسية، وعلى المدارس والمعلمين بشكل خاص توجيه الطلبة إلى متابعة تفعيل جميع وسائل التعليم عن بعد مع التعليم بالمواجهة داخل الغرفة الصفية والتكيف مع المرحلة الجديدة، كما سيَخَصّص جزء من العام الدراسي لمعالجة فجوات التعلم عند الطلبة في المواد والمفاهيم الأساسية.
لقد أصبح التعليم في عصر الثورة الرابعة أكثر مرونة وسهولة وفاعلية؛ لأن دور المعلم لا يتوقف على الأداء داخل الحصة الصفية بل هو دور مستمر لتوجيه الطلبة والإشراف على تعلمهم داخل الحجرة الصفية وخارجها، فالمعلم مكوّن رئيس للتعليم عن بعد وعن قرب من خلال استحداث وسائل وطرائق جديدة في مساعدة الطلبة على التعلم والبحث.
وأخيرًا، فإن المطلوب من إعلامنا ونقاباتنا وأحزابنا وكل مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص أن تؤدي أدوارًا محوريةً في غرس الوعي الفردي والجماعي، والتحلي باليقظة والتفكير النقدي، واستـقاء المعلومات من المصادر الأمينة الموثوقة، ودعم مشاريع تجاوز أزمة الوباء بكل الطرائق والمصادر، وما سبق ليس دفاعًا عن وزارة التربية والتعليم وسياساتها وإنما إظهارا لجانب من الحقيقة، والله من وراء القصد.