د. عاطف زريقات يكتب:الحزبية الأردنية وإعادة الهيكلة

شهدت الانتخابات البرلمانية السابقة في الأردن نزاهة وشفافية، إلا أن الأحزاب لم تتمكن من تلبية طموحات المواطن الأردني الذي يعاني من أزمات اقتصادية متفاقمة وارتفاع مستمر في معدلات البطالة، في ظل ركود اقتصادي عالمي. ولعل الأوراق البيضاء التي ملأت صناديق الاقتراع كانت إشارة واضحة لعدم رضا المواطن عن أداء الأحزاب ونهجها، حيث كان التصويت موجهًا للأحزاب وبرامجها، وليس للحكومة. هذا الوضع يستدعي من الأحزاب الأردنية إعادة تقييم مسيرتها، ودراسة نتائج الانتخابات بعناية، بهدف تصحيح الأخطاء والعودة إلى مسار يخدم مصلحة الوطن. كما أن الوقت قد حان لدمج الأحزاب ذات التوجهات المشتركة لتكوين كيانات حزبية قوية ذات قاعدة جماهيرية، بعيدًا عن مفهوم "الدكاكين الحزبية". لا بد أن تتغلب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، خاصة تلك المرتبطة بالانتماءات الفكرية القديمة التي لا تزال تسيطر على بعض الأحزاب دون تطوير أو تجديد. إن ضعف الثقة الشعبية بالأحزاب كان جليًا من خلال نسبة الإحجام عن التصويت أو التصويت بورقة بيضاء، ما يعكس احتجاجًا شعبيًا على أداء الأحزاب، وردة فعل على الأوضاع العامة ٠ كانت هناك محاولة واعدة لتشكيل ثلاثة تيارات رئيسية في المشهد الحزبي الأردني: تيار الوسط الذي شمل القوميين واليسار المعتدل تحت مظلة حزب التيار الوطني، وتيار جبهة العمل الإسلامي، والتيار اليساري التقليدي. هذه المبادرة، التي حظيت في البداية بدعم الدولة، كانت فرصة حقيقية لتطوير الحياة السياسية، إلا أنها أُجهضت مبكرًا لأسباب متعددة. لقد كانت خسارة كبيرة عدم اغتنام تلك الفرصة لتأسيس تيارات حزبية قوية تمثل مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية. واليوم، هناك حاجة ماسة لإحياء هذه الفكرة، عبر تشكيل ثلاثة أحزاب رئيسية تمثل تلك التيارات، في حين لا يمكن للأحزاب الصغيرة تحقيق أي تأثير حقيقي دون الحصول على نسبة معقولة من الأصوات، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية الراسخة إن إنهاء حالة التشرذم الحزبي، المتمثلة في السعي وراء المصالح الضيقة والتمسك بالمناصب القيادية، يمثل خطوة أساسية نحو بناء أحزاب قوية. يجب على القيادات الحزبية أن تتحلى بالجرأة للتضحية بالمصالح الفردية لصالح المشروع الوطني، وإلا ستبقى الأحزاب تراوح مكانها دون أي تغيير يذكر. بالطبع، لا يمكن إغفال تأثير الأحداث الإقليمية، مثل العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وما خلفه من دمار شامل وظلال ثقيلة على الانتخابات والنتائج. لكن الكرة الآن في ملعب الأحزاب لتصحيح أوضاعها على أسس سليمة تضع مصلحة الوطن في المقدمة. إن مشروع التحديث السياسي المنشود يتطلب جهودًا متكاملة من جميع الأطراف، وعلى رأسها الأحزاب السياسية. ويعتمد نجاح هذا المشروع على قدرة الأحزاب على استقطاب مختلف شرائح المجتمع، وكسب ثقة المواطن الأردني، باعتبار ذلك عاملًا أساسيًا في تطوير العمل الحزبي، ودفع عجلة التقدم السياسي الذي يُعد جزءًا لا يتجزأ من نهضة الوطن ومواكبته للتطورات العالمية المتسارعة. ختامًا، إن إعادة هيكلة المشهد الحزبي الأردني لا تعد مجرد خيار، بل ضرورة لتحقيق مستقبل أفضل للوطن والمواطن، وضمان مكانة متقدمة للأردن في ركب الحضارة العالمية.



















