زيد ابو زيد يكتب ..المنطقة والعالم على أعتاب فجر جديد !

كتب نزار قباني، مرةً: " للحرية دائماً جانبان متعادلان. جانب يختص بنا، وجانب يختص بالآخرين. وكل محاولة منا لنسيان الجانب الآخر، يفقد الحرية معناها الأساسي، ويجعلها طغيانًا.
لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً بغير شك.. لكنهن لم يلدننا في الغابة، وإنما ولدننا في إطار بيت وأسرة، ونظام اجتماعي نشترك في تأسيسه مع الآخرين.
إن الحرية بحر لا ساحل له..يركبه الرواد والمكتشفون، ويركبه القراصنة وسمك القرش.. ونحن بالطبع نرفض الحرية التي ينادي بها سمك القرش.. لأنها تقوم أساساً على الجريمة، والنشل، والمتاجرة بلحوم الآخرين.
إننا مع الحرية بدون تردد.. ومع الأحرار إلى آخر الشوط.. شريطة أن يكون لهذه الحرية ضابط أخلاقي، وعقلاني، وثقافي، وقومي، يجعلها في خدمة الإنسان، وفي خدمة المثل العليا..إنه لا يكفي أبداً أن نكون أحراراً وإنما لا بد لنا من أن نستحق حريتنا.. "
من هنا أقول أنَّ الثابت في صراع الاقليم الشرق أوسطي الباحث عن الانعتاق والحرية أنَّ الاستعمار وقوى البغي والعدوان هي من أججت لهيبه وزادت اشتعاله عندما غادرت المنطقة مؤقتًا في منتصف القرن الماضي وخلفت وراءها تركة من الخلافات على الأرض والمياه ومناطق النفوذ ناهيك عن السرطان الصهيوني التوسعي الذي امتد من التوسع على الأرض عرضًا وطولا ليضرب عمق المنطقة سياسيًا واقتصادًا واجتماعيًا، فمنذ عقود والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ترابط في الشرق الاوسط وتأبى مغادرتها وترك أهلها يحلون قضاياهم بأنفسهم ،لارتباط هذه المنطقة من العالم بطرق التجارة الدولية من البحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن وخليج السويس ومنابع النفط، بل أنَ الصراع بين هذه الدول الأوروبية الاستعمارية على النفوذ في هذه المنطقة عكس نفسه على الصراع في كل القارة والعالم، فلا الدول الغربية غادرت عقلية الطامع ، ولا العرب استطاعوا الاستقلال بقرارهم عن مراكز القرار الأوروبية ومن ثم الامريكية فزادت محنتهم وفقرهم ، وتفشت فيهم مظاهر الأزمات، مما شكل مدخلاً وحجة للتدخلات الأوروبية والامريكية بعد ذلك، ورغم ان العقلية العربية عقلية تحرريه بفطرتها دفعتها لإطلاق الثورة العربية الكبرى وحروب التحرر الوطني ، الا ان هذه المعركة التحررية وأدوتها تشتت جهودها حبًا في السلطة من جانب وطمع وتدخلات الغرب من جانب اخر.
أما الآن فقد تصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط بصورة ملحوظة وذلك في إطار أهمية هذه المنطقة جغرافيًا واستراتيجيًا باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية، و تشرف على مناطق إنتاج ونقل البترول والغاز وهي شريان الحياة لعجلة الانتاج والصناعة العالمي، وبسبب ظهور الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب الباردة كقوة عظمى متسيدة للمشهد العالمي فيما عرف بالقطبية الواحدة وقد أعادت الولايات المتحدة الأمريكية صياغة منطقة الشرق الاوسط من الناحية الجيواستراتيجية لتعكس حقيقة سياسات الهيمنة والنفوذ ، و تم في هذا السياق إعادة تشكيل مفهوم الشرق الاوسط الكبير ليعبر عن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية , بالإضافة إلى منطقة الخليج العربي، وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول دفعت الاعتبارات الأمنية ببعض أدبيات التفكير الإستراتيجي الغربية إلى التوسع في استخدام مفهوم الشرق الاوسط الكبير ليشمل اليمن والصومال، ولكن وبسبب الاستغلال والظلم العالمي للإنسان الشرق اوسطي العربي وعقدة الصراع العربي الصهيوني، والفرق الواضح في المداخيل بين اقطار الاقليم والفقر والبطالة تفجر التطرف والتعصب والطائفية والاقليمية وعبرت عن نفسها بصور متعددة من الفصائل والتنظيمات المتطرفة ساهم الغرب نفسه في تشكيل اساسياتها في زمن الحرب الباردة والصراع في افغانستان ومن ثم التدخل في الديمقراطيات الناشئة ومحاولة لي عنقها وأمركتها أو قولبتها عبر نموذج غربي مشوه عبر مشروع العولمة الأمريكية المتوحشة وسوء ادارة ملفات التعليم والاعلام والثقافة والتربية في العالم العربي ليتفجر ذلك كله عنفًا يجدد نفسه من وقود الظلم .
وهكذا للأهمية الاستراتيجية للشرق الاوسط، وكذلك لأسباب أخرى ثقافية وسياسية ازدادت التدخلات الدولية من أجل السيطرة والنفوذ، و هو ما حدد بشكل كبير تطور الأحداث ومآلها في المنطقة, بيد أن درجة ومستوى هذه التدخلات تباينت من فترة زمنية إلى أخرى, ولا أدل على ذلك من أن الشرق الاوسط الكبير ارتبط ارتباطا وثيقًا بالصراع العربي الصهيوني حتى إن بعض المحللين اعتبره جزء من منظومة الإقليم ما فوق الاقليمي اي الصراع العالمي مفتوح النهايات، وهكذا فقد اجتذبت هذه المنطقة الحيوية قوى دولية أخرى على رأسها روسيا والصين و تركيا وإيران إضافة إلى قوى أوروبية ذات مصالح تقليدية تاريخية وبالتأكيد سيدة الحرب الباردة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن التنافس الدولي على الثروة والنفوذ في الشرق الاوسط قد أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إضفاء مزيد من التعقيد والتشابك على مجمل الصراعات التي تشهدها المنطقة، ولعل إشكالية الملفين السوري والعراقي الى جانب اليمني والليبي وتعقيدات الملف اللبناني والصراع العربي الصهيوني تعكس حقيقة هذه الطبيعة المعقدة لمنظومة صراعات الشرق الاوسط إلى جانب تاريخية الصراع العربي الصهيوني.
وزاد الطين بله أنْ دخلت الولايات المتحدة إلى المنطقة بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، آمله بتحقيق نفوذ كامل، والحلول محل النفوذ الاوروبي التقليدي القديم ، وفي إطار جعل تلك المنطقة منطقة نفوذ وقواعد عسكرية، وبخاصة وان بريق النفط والذهب والغاز الطبيعي في المنطقة إلى جانب أنَ دول الاوسط تتملك احتياطيات كبيرة من المعادن التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية مثل الكوبالت واليورانيوم، وكذلك في إطار الرغبة الأميركية أيضاً في حصار ليبيا ومصر والسودان والشمال العربي والأفريقي، والدول العربية المطلة على البحر الأحمر عموما.
وتبع التدخل الأمريكي بل جاء مترافقاً معه وداعماً له التدخل الصهيوني، فازدادت الأزمات واشتعلت المنطقة وأصبحت ناراً ملتهبة ، وبدأ عصر جديد من الصراعات في هذه المنطقة التي كان المنطق يقول أنها أهدأ بقاع الدنيا فهي مهبط الرسالات وفيها اقدس الاماكن وثقافتها ودينها الاسلامي دين الرحمة والعدل والمساواة والتسامح، لكنها مع بدأ الاستراتيجية الصهيونية والامريكية في تنفيذ برامجها في المنطقة من هذا المنفذ الخطير شديد الأهمية أصبحت أكثر بؤساً وتطرفا.
وكان للعراق نصيب الأسد من هذه التدخلات لأهميته الخاصة، فهو الذي يمتلك أكبر الاحتياطات النفطية، وهو ما استغل للإيقاع بينه وبين الكويت وايران ، ومن ثم فإن اهتمام الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ في العراق دفعها لإعادة رسم معالم صراع جديد في بداية تسعينيات القرن الماضي وهو ما أشعل حرباً لا زالت آثارها بادية للعيان حتى الآن في كل المنطقة حتى يكاد الغرب يفقد سيطرته عليه وتدفع ثمن وقوده واشتعاله حاليا كل دول المنطقة.
لقد استغلت الولايات المتحدة الصراع أسوء استغلال ، وعبر مؤسسة الأمم المتحدة ومجلس الأمن النافذة فيه، والتي تسيره كيفما شاءت لخدمة أغراضها ومصالحا تدخلت في العراق وليبيا، و دخلت بقواتها ضمن إطار القوات المحررة؟؟؟ في ذلك الوقت، و واستصدرت قراراً من مجلس الأمن بالسماح لتلك القوات بالحرب بدعوى القضاء على نظام الشهيد صدام حسين، و بعد سقوط نظام العراق وانهيار بنية النظام دخل العراق في متاهة كبيرة بين ظهور المليشيات وأمراء الحرب والسراق ومن ثم ظهور التطرف والحرب مناجل التحرر وبين هذا وذاك ضاع الاستقرار والأمن والأمان.
لقد غاب عن ذهن المخطط الأمريكي أنَ هناك شعبًا في هذه الأرض يرفض الخنوع والذل وان الشعب العربي الذي يرفض الإرهاب والتطرف ويرفض كذلك التدخلات الاجنبية، وهو يحارب التعصب ولكنه ايضًا لا يريد وجوداً أجنبيًا على اراضيه، ولكن للأسف فقد بقيت الاستراتيجية والأهداف الامريكية ثابتة كما هي، فمحاولة تحقيق نفوذ على حساب القوى العالمية عموما هدف أميركي مستمر، والسيطرة على منافذ البحار في البحر المتوسط أيضاً هدف أميركي مستمر، ومن ثم بقيت العراق وسوريا كما هي فلسطين هدفًا أميركيًا، ولكن عن طريق غير طريق القوة العسكرية المباشرة، لأن تجربة الولايات المتحدة في هذا الصدد مريرة، ولأن أوضاعها الحالية والمأزق العراقي السابق والمستنقع الأفغاني لا يسمحان بذلك، وهكذا بقيت أميركا تساند الفوضى في الشرق الاوسط، و لا عجب أنها دعمت كل أنواع أمراء الحرب في كل مكان على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم.
ووفقاً للواقع فإننا نرى أن الدور الداعي الى تحقيق العدالة في الموضوع الفلسطيني، ومنع التدخل الاجنبي، ودعم الاقتصاديات الفقيرة في المنطقة سيحقق للشرق الاوسط الكبير الاستقرار على المدى المتوسط والبعيد، وسيفشل التدخلات الأجنبية بشؤون العرب التي يمثل الشرق الاوسط من الناحية الجيوسياسية مركبا صراعيًا وأمنيا خاصًا، فثمة ارتباطات وتأثيرات متبادلة بين الصراعات وبؤر التوتر التي يشهدها الإقليم.
إننا نرى في تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في إصلاح الخلل الذي أحدثه تعويضًا مناسبًا للعرب كنوعٍ من الحلِ والاعتذار عما أحدثه من دمار وبؤس وجهل وتخلف وارهاب وتطرف، الى جانب دور الدول العربية السياسي والعسكري والأمني في الحل وذلك لتحقيق السلام والتنمية، بعيداً عن أي تدخل خارجي، والاَ فان العاقبة ستكون اكثر تدميراً مما نشاهد وان غداً لناظره قريب.


















