د. محمد قاسم الحجايا يكتب :في الحالة الفلسطينية

بدايةً أود التأكيد انه لا احد يستطيع المزاودة على صمود الشعب الفلسطيني و التصاقه بأرضه و اخلاصه لقضيته.وحيث ان القضية الفلسطينية هي قضية كل انسان حرٍ شريف يؤمن بأحقية الشعب الفلسطيني بالعيش على تراب ارضه التي روّاها بعرق الصبر و دم التضحيات و على النحو الذي قرر الموافقه عليه ممثلو الشعب الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الوحيد المعترف له عربياً و دولياً.ولأن الفلسطينيون شأنهم شأن كل شعوب الارض ليسوا على قلب رجل واحد، كان الاختلاف في الرأي وتعدد وجهات النظر و الاجتهادات وتنوّع التحالفات سيد الموقف على طول سنوات الكفاح الفلسطيني الممتد منذ الانتداب الانجليزي الذي ساهم في تسريع وتير التغيير الديموغرافي في فلسطين و تيسير الهجرة اليهودية اليها ورعاية الطموح الصهيوني والذي مهد بدوره لقيام اسرائيل والاعتراف بها عالمياً عام 1948 وهو الحدث الذي على فداحته ساهم في تشكيل الهوية الفلسطينية كحالة نضالية مقابل السردية الاسرائيلية التي صدقتها و تبنتها القوى العُضمى في العالم آن ذاك.لقد استمر نمو اسرائيل وتعاظم دورها يقابله ضمور و تشظي المقاومة العربية التي انطلقت بدعوات الجهاد الاسلامي الشعبي و الرسمي و لاءات الخرطوم وصولاً الى مؤتمر مدريد عام 1991 والجميع يعرف ما كان بين المرحلتين ولكن الاهم كان ماحدث بعد مؤتمر مدريد حيث قررت منظمة التحرير الفلسطينية بعد مراثونات من المحادثات السرية توقيع اتفاق مبادئ السلام مع اسرائيل و هو ما يعرف باتفاق اوسلو برعاية امريكية فوق الطاولة ودعم وتمهيد من جهات متعددة من تحت الطاولة. واوسلو وان اعطى اسرائيل اعتراف "الفلسطيني" بها كدولة الا انه اعطى الفلسطيني الامل بقيام دولة فتم تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية و انتخاب مجلس تشريعي فلسطيني ليعلن الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات انه قد طلّق البندقية طلاقاً بائناً بينونة كبرى، و قرر ان يحمل عوضاً عنها غصن الزيتون فظل على ذلك الى ان استشهد في باريس عام 2004.ان اتفاق اوسلو وان قيل فيه ما قيل الا انه وفقاً لقواعد السياسة التي تعرّف بأنها "فن الممكن" خلقت تقدماً في الحالة الفلسطينية و شكلت نواة دولة وفقاً لقرار الامم المتحدة 242 و سمحت للانسان الفلسطيني ان يمتلك جواز سفر يحمل شعار دولته وهو انجاز كان يمكن تعظيمه و البناء عليه لولا ان الانقسام كان سيد الموقف والايدي الخارجية صادرت المنجز الفلسطيني لأن ثمة من يريد ان تبقى القضية الفلسطينية ورقة يلعب بها وقت شاء وكيفما يشاء. انا هنا لا انصب نفسي وصياً على الشعب الفلسطيني و لا اتحدث الا بالقدر الذي يمليه عليّ ضميري و انسانيتي وغيرةُ الشقيقِ على شقيقهِ و من وجهة نظر علمية فان حالة التردي والانتكاسة التي انتجت الانقسام الفلسطيني و ان كان جزء منها يعود للاختراقات الاسرائيلية، الان ان الجزء الاكبر منها يعود ايضاً لفشل المنظومة العربية ككل وتشظيها و تعدد تبعيتها التي انتجت فشل عربي في دعم وحدة الموقف الفلسطيني لا بل على العكس ان ثمة انظمة عربية كانت تغذي و تدعم حالة التشظي الفلسطيني خذ مثلاً على ذلك النظام البعثي في العراق و النظام البعثي في سوريا و النظام الايراني ونظام القذافي و تيار الاسلام السياسي بالمجمل حيث سعت هذه الانظمة والتيارات لتصفية الحسابات فيما بينها بأدوات فلسطينية و للأسف على حساب القضية الفلسطينية والخاسر طبعاً هو الانسان الفلسطيني و لا ضرورة للقول ان الرابح الوحيد من هذا العبث السياسي دائماً هو الطرف الاسرائيلي.ولأن التاريخ يعيد نفسه كانت احداث السابع من اكتوبر الذي اعطى الذريعه لاسرائيل لاهلاك الحرث والنسل و تقتيل و تشريد الملايين من اهل غزة لينتهي المطاف بالسياسي المقيم في فنادق الخمسة نجوم على شواطئ الخليج العربي أو في اسطنبول ان يفاوض على العودة الى ما قبل السابع من اكتوبر و "يا ريتك يا ابو زيد ما غزيت" ليسوّق هذا العبث السياسي وهدر دماء الابرياء على انه انتصار تاريخي وينسى مناضلو "السوشال ميديا" ان الانسان الفلسطيني مثل اي انسان آخر على وجه الارض يتألم و يجوع ويحب ان يكون له نصيب من الحياة ...... "ببساطه لأنه انسان" ختاماًان من اعطى اسرائيل الذريعه في السابع من اكتوبر يحاول اليوم ان يقدم لها نفس الذريعة لتدمير الضفة الغربية والانقلاب على تفاهمات اوسلو و وأد القرار الاممي 242 و يقدم لها المسوغ لتدمير ما تبقى من أملٍ في قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وتشريد اخر من بقي من اهلها، يرافقها حملة اعلامية ظالمة من وسائل اعلام عربية يتعرض لها الرئيس محمود عباس و كوادر السلطة الفلسطينية يطلقها " ذيول ايران" في المنطقة، وهو ما يقتضي من العرب الشرفاء الوعي بمآلات الامور ودعم مساعي الصمود الفلسطيني في الضفة الغربية و اراضي السلطة الفلسطينية عِوضاً عن قذف اخر ما تبقى من الاراضي الفلسطينية في فم حوت الاستيطان الاسرائيلي.
الدكتور محمد قاسم الحجايا اكاديمي اردني



















