+
أأ
-

د. محمد العرب :الحرب النووية : مصير البشرية

{title}
بلكي الإخباري

بين عبثية القرار وعناد القوة، يتلاشى مستقبل البشرية كضباب تحت سطوة الزر النووي .!





العالم الذي طالما تغنى بتقدمه التكنولوجي وحضارته العريقة، قد يجد نفسه في مواجهة نهاية محتومة ليست بفعل الطبيعة أو الزمن، بل بقرار يتخذه قادة على حافة الجنون.





في ترسانة العالم اليوم 12,700 رأس نووي، موزعة بين تسع دول، منها 90% تحت سيطرة الولايات المتحدة وروسيا وحدهما ويكفي أن يُطلق 300 رأس نووي فقط لتحويل كوكب الأرض إلى ساحة جحيم لا تتوقف وهذه الصواريخ تستطيع تدمير 3,000 مدينة خلال 30 دقيقة، وإحداث دمار يفوق ما تخيلته الحروب السابقة مجتمعة.





لكن الكارثة الحقيقية لا تكمن في الانفجار الأولي، رغم أنه كفيل بقتل 50 مليون إنسان خلال الساعات الأولى ، الأسوأ سيأتي مع الشتاء النووي، حيث ستغطي سحب الدخان والغبار سماء العالم وتحجب أشعة الشمس لمدة شهور إلى سنوات. ستنخفض درجات الحرارة بمعدل 15 إلى 20 درجة مئوية، مما يؤدي إلى انهيار كامل للنظام البيئي. المحاصيل الزراعية ستتوقف، والمخزون الغذائي سينفد في غضون أشهر.





في هذا السيناريو، ستشهد الأرض مجاعة عالمية غير مسبوقة. أكثر من ملياري شخص سيعانون من الجوع الحاد خلال السنة الأولى. الإنتاج الزراعي العالمي سينخفض بنسبة 90%، وسيصبح الحصول على وجبة طعام معركة يومية. مناطق مثل أوروبا، أمريكا الشمالية، والهند ستتضرر بشكل غير قابل للإصلاح.





الموت البطيء هو سيد الموقف. في المدن التي لم تتعرض للضربة النووية المباشرة، سيتسلل شبح الإشعاع القاتل مع الرياح. مناطق واسعة ستصبح غير صالحة للحياة لعدة عقود. الأمراض الناتجة عن الإشعاع، من بينها السرطان وتشوهات الأجيال الجديدة، ستخلق عصراً جديداً من المعاناة.





وفق تقديرات علمية، 80% من سكان العالم في المناطق المتضررة لن يصمدوا أكثر من خمس سنوات. البنية التحتية للنظام الصحي ستنهار، وسيواجه الناجون وباءً جديداً من الأمراض المعدية والمجاعة. تحت هذه الظروف، سينخفض عدد سكان الأرض من 8 مليارات إلى أقل من 100 مليون، يعيشون في جيوب نائية على أطراف العالم، في المناطق القطبية أو الجزر البعيدة التي قد تنجو من الكارثة الكبرى.





سيناريو الشتاء النووي ليس مجرد نظرية. التجارب السابقة، مثل ثوران بركان تامبورا عام 1815 الذي أدى إلى (عام بلا صيف) تعطينا لمحة عن مدى هشاشة النظام البيئي أمام تغييرات مناخية عنيفة. إذا تسبب بركان واحد في مجاعة أودت بحياة الآلاف، فما بالك بآلاف الحرائق النووية؟





المناطق التي كانت يوماً مراكز للحضارة ستتحول إلى مقابر جماعية. مدن كبرى مثل نيويورك، لندن، وموسكو لن تكون سوى أطلال مشعة لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. في هذا العالم الجديد، لن يكون هناك مكان للأبطال أو الدول العظمى. كل ما تبقى هو قتال من أجل البقاء، حيث تسود الفوضى وتنعدم القيم.





على الرغم من قسوة هذا السيناريو، إلا أن الناجين سيحملون عبء إعادة بناء الحضارة في عالم جديد مظلم، حيث لا كهرباء ولا أنظمة صحية ولا مياه نظيفة. الطبيعة ستبدأ بالتحكم مجدداً ، محوِّلة مدن البشر إلى غابات بطيئة النمو، فيما تتلاشى بقايا التكنولوجيا تحت طبقات من التراب.





لكن الأمل، رغم ضآلته، لا يزال موجوداً ، البشرية لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة. الخيار الوحيد لتجنب هذا المصير الكارثي هو التخلي عن عبثية التهديد النووي والعمل بجدية على تفكيك الترسانات النووية. إذا أدرك العالم خطورة اللحظة الراهنة، قد نتمكن من تفادي الغبار القاتل والعودة إلى المسار الذي يعيد بناء مستقبل مستدام.





القرار النهائي يبقى في يد الشعوب. إما أن نختار السلام والعمل معاً لبناء مستقبل مختلف، أو ننتظر اللحظة التي يصبح فيها الغبار النووي سيد الكوكب، وننقرض كذكرى حزينة في تاريخ كوكب لن يتذكرنا