+
أأ
-

المهندس ليث الفراية يكتب :الدكتور سليمان داوود الطراونة ... صوتٌ لم يُساوِم، وفكرٌ لم ينحنِ سيبقى فينا ما حيينا

{title}
بلكي الإخباري

حين نتحدث عن الرجال الذين يتركون أثرًا لا يُمحى، فإننا لا نقصد أولئك الذين مروا بهدوء على صفحات التاريخ، بل أولئك الذين أشعلوا الفكر، وتحدوا السائد، وحاولوا - بصدق وإخلاص - أن يجعلوا هذا العالم أكثر عدلًا ووعيًا كان الدكتور سليمان داوود الطراونة واحدًا من هؤلاء؛ رجلًا لم يكن مجرد أكاديمي أو كاتب، بل كان رؤية، وقضية، وموقفًا لا يتبدل تحت ضغط الواقع.لم يكن الطراونة يكتب لمجرد الكتابة، ولم يكن صوته يتردد بحثًا عن تصفيق الجماهير كان يؤمن أن الكلمة سلاح، وأن الفكر مسؤولية، ولذلك اختار أن يكون على خط المواجهة، حيث الأفكار تُصقل بالنار، وحيث القناعات لا تُبنى على المجاملات أو المداهنة. كان يعلم أن قول الحقيقة في عالم يفضل الوهم هو مهمة شاقة، لكنه اختارها عن وعي، ولم يساوم يومًا على قناعاته.لم يكن الطراونة معارضًا من أجل المعارضة، ولم يكن مؤيدًا لمجرد الولاء. كان يرى الوطن أكبر من الأسماء، وأعمق من الشعارات. في مقاله الشهير "لماذا لم أعد معارضًا؟" لم يكن يعلن تراجعًا بقدر ما كان يمارس مراجعة فكرية صادقة، وهي شجاعة يفتقدها كثيرون لم يكن الاعتراف بأنه لم يعد معارضًا دليلًا على استسلام، بل كان تعبيرًا عن إيمان بأن التغيير لا يعني الهدم، وأن التصحيح لا يكون بالصراخ، بل بالحوار والفكر والمنطق.كان يرفض الفساد كما يرفض الفوضى، ويكره الاستبداد كما يكره التحريض لم يكن صوته مُجندًا لأحد، بل كان صوته الخاص، صوت المثقف الذي يدرك أن دوره الحقيقي هو توجيه الأسئلة الصعبة، وليس تقديم الإجابات المعلبة.في زمن غلبت عليه الضوضاء، كان الطراونة مختلفًا لم يكن صوته صاخبًا، لكنه كان مؤثرًا. لم يكن يسعى للبطولة، لكنه كان في قلب المعركة الفكرية كان يكتب من موقع العارف، الباحث، المحلل، وليس من موقع المتحمس العابر كان يدرك أن الكلمة مسؤولية، ولذلك لم يكتب إلا ما يؤمن به، ولم يجامل يومًا على حساب الحقيقة.حين يرحل العظماء، لا ينتهي تأثيرهم، بل يبدأ امتحان ما تركوه من فكر ورؤى الطراونة لم يكن مجرد كاتب أو أكاديمي، بل كان حالة من التمرد الواعي، والبحث المستمر عن الحقيقة ترك إرثًا فكريًا يمكن للأجيال القادمة أن تستلهم منه، وتتعلم أن لا شيء أثمن من أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه ومع مجتمعه.لقد رحل الطراونة، لكن صوته لم يرحل يبقى حاضرًا في كل من يرفض أن يكون تابعًا، وفي كل من يصر على أن يكون للكلمة معنى، وللموقف قيمة. وربما لهذا ستبقى كلماته تتردد، ما حيينا.