د. محمد رسول الطراونة : أمسية علمية اجتماعية سكرية

بدعوة كريمة من صديقي الصدوق رئيس جمعية الاطباء الاردنيين الرواد الدكتور نعيم أبو نبعه واستضافة مباركة من شيخ الجراحين الاردنيين الاستاذ الدكتور عبدالله البشير كنا قبل اسبوع في رحاب مستشفى الاردن،هذا الصرح الطبي الذي بالاضافة لحمله اسم الاردن قدم وعلى عقود خدمات طبية تجاوزت حدود الاردن، في هذه الامسية العلمية الاجتماعية امتلأت قاعة المدرج بالاطباء من مختلف الاختصاصات الطبية وبحضور قامات طبية كان لها باع طويل في بناء ونهضة القطاع الصحي في الاردن جمعتهم أمسية ليست ككل الامسيات العلمية وليست كباقي المحاضرات ال?ي اعتدنا عليها كاطباء لان المحاضر ليس كباقي المحاضرين، فهو بروفوسور و وزير سابق وعين سابق ورئيس جامعة سابق، باحث، مفكر ومؤرخ، عاشق للغة العربية، له اسلوبه الخاص يأسرك بسرديته التي تأخذك بانسياب بين الطب والاديان واللغة والتراث بطريقة لا تخلو من الدعابة حينا والجدية احيانا، انه البروفوسور الدكتور كامل العجلوني معالي ابو صخر، مايسترو السكري محليا وإقليميا وعالميا، بدأ الامسية بالتمييز بين بالخلاف والاختلاف، هذا الفخ الذي يقع فيه الكثيرون، سمعنا منه أن الاختلاف تباين في الآراء أو الأفكار، بينما الخلاف نزاع نا?ج عن هذا التباين و الاختلاف يمكن أن يكون إيجابيًا إذا تم التعامل معه بشكل بناء، بينما الخلاف غالبًا ما يكون سلبيًا ويحتاج إلى حل، مدخل مريح مهد من خلاله الطريق لسامعيه من معشر الاطباء من مختلف مشارب العلم ومدارسه بأن الاختلافات في مدارس تشخيص وعلاج السكري متابينة في كثير من المجالات لعل أبرزها وأهمها–بالرغم من أهمية الجوانب الاخرى–استخدام العلاجات وخاصة الحديثة منها غالية الثمن والتي في كثير من الاحيان ليست في مقدور و متناول جميع مرضى السكري، ما زال للعلاجات القديمة رونقها وبريقها وإن طال عمرها فهي في متنا?ل غالبية المرضى، كعلاج (الميتفورمين) شيخ أدوية السكري، الدواء المخضرم الذي عاصر أجيالا عديدة وما زال في متناول الجميع، وكذلك الانسولين ما زال و منذ عقود سيد الموقف وان اختلفت تسمياته واشكال حقنته وطرق حقنه.البروفوسور العجلوني أكد على ثلاثية إكسير الحياة: النشاط البدني (المشي) والغذاء المتوازن (الصحي) والنوم الكافي، فقد صدق القول، لان الالتزام بهذه الثلاثية كما تشير معظم الدراسات يجب ان تكون الهدف الاستراتيجي لكل من يرغب بحياة تاجها الصحة والعافية.اما قصة السكري في الاردن فقد بدأت من أهالي الصريح و صخره والمزار الجنوبي عندما ظهرت لأول مرة أرقام غير طبيعية لمعدلات انتشار مرض السكري كما بينت نتائج أول دراسة محلية أجراها البروفوسور العجلوني وفريقه في أواخر تسعينيات القرن الماضي بعدها توالت المسوحات الصحية التي اجرتها وزارة الصحة لمعرفة معدلات الاصابة بهذا المرض في الاردن وفي مختلف محافظاته، واليوم تشير البيانات الاحصائية وفقا للمسوحات الصحية الوطنية و للمركز الوطني للسكري بأن نسبة انتشار السكري والسكري الكامن بين الاردنيين قد وصلت الى 45% في حين نسبة ا?اصابة بأهم عامل خطورة للسكري وهو زيادة الوزن والسمنة قد بلغت 78%. البروفوسور العجلوني–ونحن نتفق معه–دوما يؤكد على أن السكري الكامن أو ما قبل السكري لا يختلف كثيرا عن السكري من حيث المضاعفات والخطورة وبذلك يجب أن يحظى بنفس الاهتمام كما السكري.أستطيع القول وبأريحية تامة و من ملاحظاتي الشخصية، بأن 40% من الاردنيين ممن هم فوق سن ال 40 لديهم أربعة أمراض مزمنة (غير سارية) وهي السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الدهنيات والسمنة، هذه الرباعية الاردنية لها انعكاساتها على حجم الانفاق على هذه الامراض التي تجاوزت و منذ عقود قدرة ميزانية الاردن وليس فقط موازنة وزارة الصحة وهي في تصاعد مستمر ما لم يتم اتخاذ اجراءات عاجلة لتحسين جودة الرعاية الصحية لمرضى السكري بما يضمن الحد من مضاعفات هذا المرض، لعلي أسرد وبعجالة بعضها هنا فقد وردت في أكثر من إستراتيجية وطنية ?تحدثنا عنها في اكثر من مجال، من أفضل هذه الممارسات: تطوير الرعاية الصحية الأولية من خلال تعزيز خدماتها باتباع » نهج فريق صحة و طب الأسرة » لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض غير السارية، زيادة الوعي المجتمعي حول مرض السكري وتعزيز الوقاية منه من خلال تبني برامج توعية تستهدف الأشخاص المعرضين للإصابة، وتحسين البنية التحتية للرعاية الصحية من خلال الاستثمار الامثل في المراكز الوطنية للسكري في الاقاليم، لتقديم خدمات علاجية شمولية و توفير التدريب الكافي للكوادر الصحية لتحسين أدائهم وتعزيز جودة ا?رعاية المقدمة.خلاصة القول، للأسف، من المتوقع أن تزداد–وعلى نحو مضطرد–أعداد مرضى السكري في الأردن، الامر الذي سيرهق نظام الرعاية الصحية المثقل والمنهك أصلا نتيجة تفاقم النفقات العلاجية للامراض غير السارية (المزمنة) ومضاعفاتها، وإذا لم يتم تنفيذ تدخلات مجتمعية واسعة النطاق، سيأتي يوم، ينفق فيه الأردن على الاقل ربع موازنته العامة على مرضى السكري، والله من وراء القصد



















