علا الشربجي تكتب :هل للإخوان المسلمين علاقة بتخوّف السعودية من الأردن؟

بقلم: علا الشربجي _ إعلاميّة و كاتبة سياسية
تشهد العلاقات الأردنية–السعودية في السنوات الأخيرة حالة من الفتور المتبادل، تتجلّى في مؤشرات متعددة، منها التباطؤ في الدعم الاقتصادي، والتشدد غير المبرر في منح التأشيرات، وانخفاض التنسيق السياسي مقارنة بما كان في السابق. هذا التحول يطرح تساؤلات عميقة حول أسباب القلق السعودي تجاه الأردن، خاصة في ظل عدم وجود خلافات مباشرة أو معلنة بين النظامين.أحد المفاتيح لفهم هذا التوجّس السعودي يتمثل في الحضور القوي لجماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية والاجتماعية الأردنية، وهو حضور لا يزال قانونياً ومؤسسياً، بخلاف ما هو عليه الحال في المملكة، التي صنفت الجماعة تنظيماً إرهابياً منذ عام 2014.السعودية تنظر إلى الإخوان من زاوية أمنية وسياسية بحتة، وترى فيهم تهديداً مباشراً للنظام الملكي، بالنظر إلى تاريخ الجماعة في استثمار الاحتقان الشعبي وتقديم نفسها بديلاً “إسلامياً” للأنظمة الحاكمة. ومن هنا، يبدو أن القلق السعودي من الأردن لا يتعلق بالدولة الأردنية بذاتها، بل من البيئة السياسية والاجتماعية التي لا تزال تتيح للإخوان مساحة واسعة من العمل والنفوذ، سواء عبر النقابات أو الشارع أو بعض أدوات الإعلام.الأردن، بدوره، يرى في احتواء الجماعة وضمان وجودها تحت سقف القانون طريقة لضبط التوازنات الداخلية، ومنع تسرّبها إلى العمل السري أو العنف، وهي سياسة نجحت إلى حد كبير في منع الفوضى. لكن هذا النهج يربك الرياض، التي تفضّل المواجهة الكاملة بدل الاحتواء المرحلي.ولعل ما يفاقم القلق السعودي هو أن الخطاب الإخواني الأردني، في بعض محطاته، يتقاطع مع نبرة معادية للتطبيع والدور الخليجي في فلسطين، ما يفتح الباب أمام مخاوف من توظيف الجماعة لهذا الزخم في لحظات إقليمية حرجة.في المقابل، لم يُخفِ الإخوان نقدهم العلني للسياسات السعودية، خاصة بعد الانقلاب على مرسي في مصر. الجماعة تعتبر أن الرياض قادت ما تسميه “الثورة المضادة”، ووقفت ضد التحولات الديمقراطية في العالم العربي يشهد ملف التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تعقيدات متزايدة، حيث وضعت الرياض شرطا واضحا لا لبس فيه: إقامة دولة فلسطينية كمدخل لأي تقدم في العلاقات.كما يطعن الإخوان في احتكار السعودية للشرعية الدينية، ويرون أن مشروعها القائم على “الإسلام الوهابي الرسمي” يتناقض مع مفهومهم للإسلام الشامل والعابر للحدود.صراع وجود لا خلاف عابرالخلاف بين السعودية والإخوان المسلمين لم يعد مجرّد تباين في السياسات، بل تحوّل إلى صراع وجود. فالسعودية ترى أن الإسلام السياسي خطر على استقرار الدولة الوطنية، في حين يعتبر الإخوان أن المملكة تمثل حجر عثرة أمام التحول الديمقراطي في العالم العربي حسب المفهوم الاخواني .التحولات في الإقليم، خصوصاً مع صعود تيارات أكثر براغماتية داخل بعض الحركات الإسلامية، قد تفتح المجال لمراجعات داخلية. لكن حتى إشعار آخر، يبقى الموقف العدائي المتبادل هو العنوان الأبرز للعلاقة بين الطرفين .في المحصلة، العلاقة بين السعودية والأردن تبقى رهينة لتوازنات داخلية وإقليمية معقدة، لكن من الواضح أن ملف الإخوان يشكّل أحد أبرز عوامل التباعد في هذه المرحلة، ويعكس اختلافاً في فلسفة إدارة المشهد السياسي الداخلي بين العاصمتين.من السهل على الإخوان تكرار الشعارات الكبرى، والمطالبة بقطع العلاقات مع أمريكا وبناء “اقتصاد مواجهة”، لكنهم لا يقدمون تصورًا واقعيًا أو بديلًا عمليًا. فكيف لجماعة تطالب بفك الارتباط الاقتصادي مع الغرب أن تصمت طوال عقود عن هذا النهج حين كانت مشاركة في الحكومات والبرلمان؟ وهل خطاب المقاطعة والعزلة هو الحل السحري، أم مجرد وسيلة لتأجيج الشارع؟القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى خطابات حنجورية بقدر ما تحتاج إلى عمل منظم ودعم حقيقي، وإلى خطاب سياسي مسؤول لا يخلط بين الخصومات الداخلية والمعركة الكبرى مع العدو الصهيوني. الأردنيون يعرفون جيدًا من يقف مع فلسطين بالفعل، ومن يحاول استثمار دمائها في بازار السياسة.الأكثر خطورة هو استثمار الجماعة في مشاعر الغضب الشعبي، وإيهام الناس بأنهم طليعة المقاومة، بينما لم تقدم الجماعة على الأرض سوى الكلمات. ما تقدمه الدولة الأردنية من دعم سياسي وإنساني مستمر لغزة، رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، يثبت أن الفعل الحقيقي لا يحتاج إلى الميكروفونات، بل إلى التزام وطني عميق بعيدًا عن المزايدات.آن الأوان للإخوان أن يُراجعوا خطابهم، وأن يفهموا أن الشعوب سئمت المزايدات، وتنتظر الفعل لا الهتاف.



















