أ.د صلحي الشحاتيت : حين يُدار العالم من فوق مقعدٍ مرتجف: عن التسرع في القرارات ومآلاته

من المفترض أن يُنظر إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بوصفه قائدًا لأقوى دولة في العالم، ليس فقط من حيث القوة العسكرية، بل لما تمثله بلاده من ثقل سياسي واقتصادي ودبلوماسي عالمي. غير أن تجربة الرئيس دونالد ترامب في ولايته الثانية تُثير تساؤلات جوهرية حول نمط اتخاذ القرار في البيت الأبيض، ومدى التسرع الذي بات سمة بارزة في رسم السياسات العامة.
قرارات كبرى، كفرض رسوم جمركية واسعة النطاق، أو أوامر متسرعة تتعلق بالهجرة، أو حتى تهديدات بتقليص المساعدات لحلفاء استراتيجيين، تُظهر أن السياسة التنفيذية باتت في كثير من الأحيان تُدار بردود أفعال لا برؤية استراتيجية متأنية. وفي الوقت الذي يُفترض أن تُبنى القرارات على مشاورات ومؤسسات وخبرات، بدا أن الرغبة في التأثير السريع تطغى على أي اعتبار طويل المدى.
تعليق فرض الرسوم الجمركية بعد تحذيرات من انهيار وشيك في سوق السندات ليس مجرد تعديل في السياسة الاقتصادية، بل دليل على غياب التخطيط المدروس. كما أن محاولة ترحيل جماعي لأشخاص بناءً على قانون يعود للقرن الثامن عشر، ثم الاصطدام بالقضاء، تكشف عن توجهات تتجاوز حدود السلطة القانونية وتبتعد عن روح الديمقراطية الدستورية.
أما تصريحات الرئيس بشأن إعادة النظر في المساعدات الخارجية، ولا سيما تلك الموجهة لإسرائيل، فقد أربكت الحلفاء وأثارت نقاشًا داخليًا دون أن تتحول إلى سياسة واضحة أو مدروسة.
كل ذلك لا يعكس فقط اندفاعًا في القرار، بل يشير أيضًا إلى ضعف في احترام التقاليد المؤسسية العريقة التي طالما شكّلت جوهر الديمقراطية الأمريكية، حيث الحكم ليس قرار فرد، بل ممارسة مؤسسية متكاملة.
إن قوة الدول تُقاس بعمق قراراتها، واستقرار مؤسساتها، ورصانة من يقودها. وإذا أصبحت السياسات تُبنى على المزاج اللحظي لا على تقديرات واقعية، فإن حتى أعظم الأمم قد تجد نفسها في مهب ارتباك داخلي وتراجع خارجي يصعب احتواؤه.
أ.د. صلحي فيصل الشحاتيت
أستاذ الكيمياء – جامعة مؤتة
رئيس سابق لجامعة العقبة للتكنولوجيا



















