+
أأ
-

ضرار البستنجي : من الربيع العربي إلى خلايا الأخوان: قراءة في مصير الإسلام السياسي بالأردن

{title}
بلكي الإخباري

تحت عنوان عن الأخوان والدولة الأردنية .. قراءة من زوايا أخرى كتب المحلل السياسي ضرار البستنجي : لايستقيم الخوض في الحدث الأردني مابعد قضية (خلايا الأخوان) دون التأشير على عناوين فارقة ، بعضها ضروري لفهم الواقع، وبعضها الآخر ضروري لاستقراء ماستؤول إليه التداعيات والنتائج بمفهومها العميق أوالاستراتيجي.
 

وفيما باتت القضية بمفهومها المباشر أو الإجرائي في عهدة القضاء، وفق رغبة رسمية واضحة بمقاربتها تحت هذا العنوان تحديداً؛ فإن مستقبل الحركة الإسلامية في الأردن، فضلاً عن العلاقة "الملتبسة" التي جمعتها بالدولة على مدار نحو ثمانية عقود مفتوح على كثير من الاحتمالات والخيارات، ربطاً بالإجابة على أسئلة ملحّة لازالت، على أهميتها، حبيسة الحوارات الضيقة والصالونات السياسية في ظل استقطاب غير مسبوق وتراشق وثرثرة باتت تشكّل السمة الأبرز لتفاعل الأردنيين على وسائط التواصل مع كل شيء، وأي شيء .
 

في التفاصيل بدأت الحكاية عصر الثلاثاء؛ السادس عشر من نيسان الجاري، حين أصدرت دائرة المخابرات العامة بياناً تعلن فيه (إحباط مخططات هدفها المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة، شملت قضايا تصنيع صواريخ بأدوات محلية وأخرى جرى استيرادها، وذلك نتيجة جهد استخباري ممتد من العام 2021، وأنه قد ألقي القبض على 16 ضالعاً أحيلوا والقضايا إلى محكمة أمن الدولة لإجراء المقتضى القانوني) وذكر البيان (أن المخطط كشف عن حيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، وشمل مشروعاً لتصنيع طائرات مسيّرة، وتجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وخارجها).
 

سبق البيان بأيام تهيئة وتوتير ممنهج وغير معتاد اضطلع به بعض الصحفيين أو النشطاء القريبين من دوائر الدولة، عنوانه العريض أن "الثلاثاء" سيحمل حدثاً أوخبراً فارقاً مزلزلاً، غمزاً من قناة " الاخوان المسلمين"، وتبعه سريعاً إيجاز صحفي "تلاه" وزير الاتصال الحكومي، الناطق باسم الحكومة، محمد المومني، قبل أن يكتفي باستقبال سؤالين كان التعليق عليهما كفيلاً بإظهار حساسية القضية وتشعب ارتداداتها، حيث استدل الوزير ربطاً بالمعطيات الأولية على أن الفعل لاعلاقة له بالعدوان على غزة، سيما وبداياته تسبق العدوان بنحو عامين، وأنه موجّه للداخل بالنظر لقصر مدى الصواريخ التي جرى ضبطها والتي قدّرته المحاكاة الفنية بين 3-5 كلم، وأن بعض المتهمين أعضاء في جماعة سياسية منحلة قانوناً، مايعني (جماعة الاخوان المسلمين)، وسرعان مابث التلفزيون الأردني مقاطع للمضبوطات وأماكن التخزين واعترافات مقتضبة لبعض المتهمين، كانت كفيلة بإظهار حساسية الحدث وبإثبات ارتباط بعض المتهمين التنظيمي بالجماعة.
ورغم أن البيان والإيجاز لم يقدما إجابات على كل الأسئلة المطروحة انطلقت فوراً رحلة الاستقطاب والتراشق والتأويل، وتكفّل "متطوعون" كثر لتقديم القراءات وادعاء امتلاك التسريبات ووضعوا القضية في قالب واحد وحيد؛ (إرهاب الأخوان المسلمين!).
 

لم تقدم الدولة روايتها الكاملة بعد، بل وأكد الناطق باسم الحكومة أن التحقيق مستمر وأن لاشيء نهائي بعد، وفي ذلك حرصٌ على المصداقية عبر ترك المهمة للقضاء، وإن انطوى الصمت ربما على رغبة باستكشاف النوايا والمواقف واستقراء المزاج العام وردود الفعل الخارجية، وليس مستبعداً أن يكون الاكتفاء بهذا القدر باباً موارباً لتفاعلات وحوارات قد تحسم الشق السياسي المترتب على هذا الحدث الفارق، وإن كان في ترك الملف في مهب الفضاء الالكتروني وفوضى الثرثرة والاستقطاب خطر لايستهان به على مفاهيم المجتمع وتفاعلاته، سيما مع تعمّد البعض خلق أجواء من الجدل والاستقطاب حول فكرة المقاومة برمتها، سيما مابعد بيانات الأخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي وأهالي المتهمين، فضلاً عن تصريحات محامي المجموعة الأولى منهم، والتي قدمت كلها عنوان العمل على إيصال السلاح إلى الضفة الغربية لدعم الجهد المقاوم في وجه الاحتلال، لا استهداف الداخل الأردني، استناداً لما جاء في إفاداتٍ وردت في محاضر مسرّبة.
 

جل هذا اللغط سيحسمه القضاء، لكن ماذا عن المآلات السياسية للقضية أو مصير الحركة الإسلامية في حال ثبت القصد التخريبي؟
 

فذاك ستحسمه الإرادة الرسمية في ضوء المساقات القانونية والدستورية المتاحة والتي تتصاعد أصوات للمضي فيها وصولاً إلى حل حزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي للاخوان المسلمين في البلاد، فضلاً عن تفعيل القرار القضائي باعتبار الجماعة منحلة، فيما يعبّر آخرون عن خشيةٍ من تعسف الدولة في استخدام المتاح ويرى آخرون، ومنهم كاتب هذه السطور، ان الشق السياسي ستحسمه مقاربة الدولة للواقع، وبعض تفاهمات الداخل والخارج بما يحقق تغيرات كبرى قد تقف عند حدود هوية الحركة الإسلامية ومساحات تحركها وعلى مستوى الوجوه ربما، وبما تفرضه التبدلات الكبرى على مستوى العالم، والتي تغييراً تغيير حقيقياً على مستوى العلاقة مع الإسلام السياسي أوالرهان عليه، فضلاً عن المفاضلة بين نسحه المطروحة، سيما مع دلالات القبول بل المباركة الدولية لنسخته الليبرالية الميكافيلية التي تتشكّل في سورية، وفيما تمتلك الدولة اليوم فرصة غير مسبوقة لتصفية الحركة الإسلامية سياسياً لايغيب عنها أن الصداع الحقيقي المتأتي من شعبيتهم ليس محكوماً، في معظمه، بقرارٍ قضائي فحسب، وأن مخاطر المناكفة السياسية والاستثمار في الشعبويات وحتى العلاقة بالخارج لاتعني تغييب التحسّب من مخاطر أكبر قد يجلبها قرار إخراج الحركة من المشهد، الذي قد يدفع الكتلة الصلبة التي تنتمي إليها، تنظيمياً أو آيديولوجياً، للعمل في الظلام.
 

لايعني ذلك بالضرورة أن التهمة ستثبت على المتهمين، أو أن الدولة قد اختلقت القضية للضغط على الأخوان أو الرغبة في مقايضتهم، لكنه ولاشك يعني وجوب قراءة تداعيات الحدث من منظور المشهد العام في المنطقة والعالم، فتداخلات وتشابكات علاقة الدولة والأخوان لاتقف عند حدود الملفات الداخلية فحسب، حيث يترافق الحدث مع تغيرات هائلة مزلزلة تعيشها المنطقة ستفرض إيقاعه ولاشك على الواقع الأردني، سيما مع علاقة التأثر والتأثير بالقضية الفلسطينية، عنوان التغيير الكبير في المنطقة، في ظرفٍ تتضاعف فيه على البلاد الضغوط والاملاءات والاستهدافات وتتبدّل فيه أوزانٌ وهويات، ويعاد رسم الجغرافيا ومساحات النفوذ، بل ويتهدّد الجميع ضغوط لإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي وشكل انظمة الحكم في بعض الدول المعنية، وتشكّل أحداث كبرى عناصر ضغط وتهديد مضافة، سيما الانقلاب الهائل في المشهد السوري واللبناني وتصاعد التنافس الإقليمي مابعد تلزيم سورية للوكيل التركي وما أفرزه ذلك وغيره من اشتداد المزاحمة في بعض الساحات ، كلبنان مثلاً، في وقت تلقّت فيه المقاومة ضربات موجعة في المنطقة برمتها، وتراجع دور ووزن إيران ضمن صراعٍ قد لايتوقف عند أقل من التغيير العميق على مستوى هوية نظامها السياسي وخياراتها الاستراتيجية، فضلاً عن المواجهة العسكرية التي قد تصبح قدراً لامفر منه.
 

كل ذلك وغيره يضع بلداً كالاردن، يعيش أخطر استهداف منذ نشأته، أمام تحديات واستحقاقات هائلة مقلقة تجعل من الملحّ حساب القرارات العميقة، داخلياً وخارجياً، بميزان الذهب، ووفق إيقاع التحولات الكبرى في المنطقة والعالم.
وفي سؤال المرحلة الملحّ يصير من الضروري طرح التساؤلات، بحثاً عن أجوبة لخيارات الطرفين في الاستعداد للتغيير القادم لامحالة لجهة استحقاق الشرعية والشعبية الذي يفرض نفسه، ففي تجارب الأمس القريب، إبّان مرحلة ماسمي بالربيع العربي، رُصدت مساعٍ اخوانية لاستثمار الظرف وأزمات البلاد لفرض أمر واقع ولتعظيم المكانة، بل وحملت بعض الاحداث تعبيرات عن مساعٍ لما يُعدّ مزاحمةً على الحكم.
في حينها أيضاً كانت التغييرات هائلة في المحيط، وكانت الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات، وكانت عناصر القرار الدولي تعيد ترتيب الأوراق بمعزل عن محدّدات الوقائع القائمة منذ عقود، حينها ظن الاخوان، ولعلهم كانوا على صواب، أن القبول الدولي، وربما الإرادة الدولية، ستجعلهم قدر هذه المنطقة، فيما هاهم بعد أقل من عقد ونصف يواجهون قدراً مختلفاً، فأزمتهم اليوم تاتي في ظل منعطف دولي يخلق قبولاً بل وإرادة دولية بإخراجهم من المشهد إلى الأبد، اقلّه بهويتهم هذه.
فالأخوان الذين يدركون أن الدولة ستنحو نحو تغييرات كبرى بعد نحو عقدين من الجهد المتدرّج لتمكين الذات لم يكن كافياً لتمتين الواقع أمام الإعصار الذي اجتاح المنطقة وقلب موازينها، في ظل انقلاب الحلفاء واشتداد استهداف البلاد ضمن مخططاتهم الكبرى، يتحضرون بالمقابل لمواجهة سؤال المصير الذي يواجه الإسلام السياسي وحركة الأخوان بالذات، آخذين في الاعتبار الخسائر الكبرى مابعد نشوة انتصار، في مقابل مكاسب انفردت بها تركيا ،الراعي الأقليمي للإسلام السياسي، وعلى أكثر من صعيد، ضمن مشروع العثمانية الجديدة الذي يُجدّ بالتمدد حتى بات على مشارف حدودنا الشمالية، فهل يخلق ذلك أوهاماً لدى البعض؟
سيما مع مايتسرّب من قراءات خبيثة عن حتمية تعويم نظام الحكم في أكثر من بلد في الإقليم .
فهل دفعهم ذلك أو كاد لاستحضار موروث من العمل المسلح لفرض أمرٍ واقع أو تحسباً للحظة صدام مفترضة، أو أقلّه لاستحقاق حتمي عنوانه ترتيبات داخلية قد تضعف فرص بقائهم بذات الوزن والهوية ؟
سيما وأن الدولة التي افترضوا مابعد إنجازهم الكبير في الانتخابات السابقة "الشراكة" معها لم تقدم أي تنازل يذكر، ولا حتى بحدود "المشاركة" حتى.
فهل يرى الأخوان أو حلفاؤهم في العمق العربي والإقليمي في ظرف اليوم فرصةً أو حتى ضرورةً لانتزاع حصة وازنة او تعويض خسائر على مستوى ساحات برمتها؟
وماذا عن الدولة؟ هل نحن أمام مساعٍ لاستباق ذلك كله انطلاقاً من ذات القراءة ومن حجم الضغوط والاستعصاءات؟
وماهي المقاربة الرسمية لجهة التغييرات القادمة؟ وماذا عن النوايا تجاه الحركة في إطار عناوين أخرى كبيرة ملحّة؟
هل ترى فرصةً ومصلحةً في التخلص من هذا الصداع كله، أم تنحو نحو تشذيب الحركة وصولاً إلى فرض تنازلاتٍ بحجم الهوية والوجوه ومساحات العمل؟
هل ستجد في هذه الخطيئة، إن ثبتت، فرصةً لخلاص تام من أرقٍ لطالما سبّبته شعبوية الحركة ومايفرزه من دور سياسي؟
وماذا عن شعبيتهم التي لا ترتبط فقط بحضورهم السياسي، بل بموروثهم ومفاهيمهم التي تُركت لتفرض نفسها على شرائح واسعة في المجتمع؟
والتي يضاعف منها اليوم ترك بعض الأسئلة معلقةً بلا إجابات شافية، في ضوء مشاكل "الإقلاع" العميقة التي تعاني منها خطوات الإصلاح السياسي وتعزيز الحياة الحزبية في البلاد، وعلى وقع استمرار الرهان الرسمي على ذات الأدوات والوجوه التي باتت في معظمها عنوان تأزيم وخسائر على مستوى الرأي العام.
على مدار العقود الثمانية من العلاقة الطيبة بين الدولة والأخوان شكّلت الحركة عنوان أسناد للنظام السياسي في كثير من الاستحقاقات الداخلية، رغم بعض الخصام هنا وهناك، بل وحظيت بدلالٍ استثنائي على حساب، وأحياناً في مواجهة، قوى المجتمع والأحزاب العقائدية الأخرى، عبر محطات فارقة في عمر المنطقة والأردن، إلى أن شهدت العلاقة بدايات التراجع أواخر الألفية الماضية، سيما مع "التفاهم" الذي أفضى إلى مغادرة (حماس) والفصل التنظيمي بين الحركتين بعد زمن من العمل الموحّد في الساحة الأردنية.
فيما حملت حقبة ماسمي بالربيع العربي بوادر الصدام الحقيقي الأول بين الطرفين، حيث سعت الحركة لاستثمار المد الجارف في المنطقة متكئةً على استتباب الأمر للأخوان في مصر وتونس ونسبياً ليبيا، فيما فضّلت الدولة ،]في مواجهة تعاظم مكاسبهم ونجاحهم، منفردين أو برفقة الأحزاب والقوى الأخرى في المجتمع، في تحقيق بعض المكتسبات، كانت نقابة المعلمين أحد أبرز عناوينها[، الرهان على الإضعاف من الداخل والتباينات الداخلية، والتي بدأت بالتمظهر تحت عنوان رئيسي (صقور وحمائم) أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، سبّبتها أو كشفت عنها مرحلة الانفراج الديمقراطي مابعد هبة نيسان 1989،  فحدثت انشقاقات وخلافات، وتحقّق إضعاف الحركة لكن دون كسرها أو النجاح في خلق عناوين سياسية بديلة بذات الطابع، ولعل ذلك قد ساهم في تعاظم تأثير ونفوذ المتشددين داخلها.
وحتى مابعد تداعيات الحكم باعتبار الحركة منحلة قانوناً وترخيص (جمعية الأخوان المسلمين) وحرمانهم استمرار الاستثمار بأحد أهم أدواتهم المالية الاجتماعية (جمعية المركز الإسلامي)، ظلت الحركة الإسلامية، التي لم تحاصَر ولا استُكملت مفاعيل الحكم القضائي بحقها، العنوان الأبرز للمعارضة، ولم يتحقق تطويعهم المطلق أو تكسيرهم ،]سيما مع تراجعهم في كثير من الملفات والتزامهم مقاربة الدولة في استحقاقات فارقة على مستوى التشريعات والقوانين، وإظهارهم قبولاً بمحدّدات العمل السياسي التي تفرضها الدولة[، فما لبثوا أن استعادوا زخم الحضور والتأثير على وقع تفاعل الأردنيين الكبير مع العدوان الصهيوني الهائل على قطاع غزة واهله ومقاومته، فكان استحضار الشعبويات حد تصوير أنفسهم ممثلاً للمقاومة، ومدافعاً أوحد عنها في البلاد.
فهل فشلت الدولة في إضعافهم وخلق بدائل عنهم؟
أم أن ماحققته هوالسقف المرسوم الذي أرادته أو الذي تسمح به التداخلات والاستحقاقات، وتستعد اليوم لاستكمال ما بدأته، أم أن ثمة اجتهادات وتباينات ضمن دوائر القرارأفضت لما وصلنا إليه ؟
 

لاشك ان الدولة حسناً فعلت باختيارها المقاربة القانونية ومنح كل الساحة للقضاء، لكنها ستفعل حسناً أكثر إن جنّبتنا التداعيات المجتمعية الخطيرة التي يخلقها طول انتظار الإجابات الشافية على الأسئلة المعلالمعلّقة في ظل فوضى الفضاء الافتراضي، وتربّص المتربصين والثرثارين على جانبي الحدث، والذين يصبّون الزيت على نار فتنةٍ لايفوّت العدو فرصةً لإشعالها والاستثمار فيها، ففي حين تحقق أي فوضى خدمةً هائلةً لمخططات النيل من البلاد وتمرير المشاريع؛ لايقل التحريض والتجييش وحرف البوصلة خطورةً، سيما إذا مانجحت جهود باتت ملموسةً لإلباس الحركة الإسلامية لبوساً اجتماعياً، في استبدالٍ لهوية سياسية باتت عبءً بأخرى اجتماعية تحقق المكاسب عبر ادعاء تمثيل كتلة شعبية بعينها، في محاولةٍ لخلط الأوراق لتحويل الخطر اليوم إلى فرصة، وفرض أمر واقع يحوّل جولة الصدام الفارقة هذه إلى جولة اشتباك محدود يصير سقفها إعادة ترتيب المقاعد حول المائدة فقط، وإن استدعى ذلك هذا اللعب بالنار والذي للأسف من يسانده في الداخل والخارج، رغم مافيه من خطر كبير وتساوق مع المشاريع الخطيرة المتربصة.
كل مانحن فيه يؤكد أن الحدث لن يقف عند حدود القضية وتفاعلات التقاضي، وأن كثيراً من التفاصيل مابعد السادس عشر من نيسان 2025 ستكون مختلفةً عما قبله، على مستوى الدولة والحركة الإسلامية، وعلى مستوى علاقتهما، بل وعلى مستوى المشهد السياسي برمته، والذي يعيش انزياحاً قسرياً نحو مغادرة حقبة الايديولوجيا وتعظيم العمل ضمن مفردات الواقع الأردني حصراً.
مع كتابة هذه السطور كانت تفاعلات الحدث قد وصلت أروقة البرلمان، حيث تُعقد جلسةٌ صاخبة ارتفعت فيها الأصوات، وطُرحت المواقف والمرافعات، فيما غاب عن معظمها ماينتظره الأردنيون ويحتاجونه من عناوين الفهم الاستراتيجي والمهام المطلوبة، أو التأشير على دروس حقبة انقضت، فضلاً عن استشراف القادم وتقديم الرؤى والمقترحات لحقبة جديدة لاترحم، وخلق مخارج لأزمة التحديث السياسي الذي يعيش خطراً الانهيار.
وإلى أن يحسم عقل الدولة التوجّه، ويهتدي إلى الصيغة التي تحقق أكبر المكاسب بأقل الخسائر؛ سيظل الأردنيون في ترقّب وقلق، مدركين عِظم مانحن فيه، منتظرين انتهاء هذه المراوحة لينتهي معها الجدل الذي يتصاعد بعضه بشكلٍ خطير مشوّها بعض المفاهيم بدل الاستفادة من دروس المنطقة والوقائع، مايؤكد مججداً حاجة الأردن الملحّة لإطلاق مشروع وطني يتصدى للتهديدات ويملأ بعض ثغرات التيه المجتمعي المتعاظم، ويجيب على الأسئلة المصيرية، فتكون تهديدات الكيان ومشاريع التصفية عنواناً، يستدعي امتلاك عوامل حماية الذات وسبل المواجهة التي يبدو أنها قادمة لامحالة، جنباً إلى جنب مع مشروع بناءٍ وطني يحقّق المنعة الداخلية ويمتّن الجبهة الوطنية، فالأردنيون، وإن اشتبه على بعضهم أمر هنا أو هناك في معركة المفاهيم هذه، مؤمنون جميعاً بأنهم شركاء الدولة وأجهزتها ومؤسساتها في كل المعارك، وأن درس الوقائع الاخيرة القاسي يؤكد أن الأوطان لاتكفي لحمايتها النوايا الطيبة ولا التحالفات، وإنما يحميها أبناؤها بوحدتهم وإنجازاتهم والمساحات الممنوحة لهم وباستعدادهم للتضحية، وبما يملكون في إطار مشروع الدولة الحتميّ من عوامل صمودٍ وبناءٍ و"مخالب".