د. ذوقان عبيدات يكتب : *الحكومة والإخوان: الكرة تُلعَب بالعقل، وليس بالقدم واللسان

في كتاب المفكر سبنسر جونسون ١٩٩٨، والذي بيع منه ملايين النسخ فور صدوره، يعالج المؤلف فيه قضية مهمة، أو أزمة،وهي الاستعداد للتغيير، وكيف يمكن إدارة التغيير. كانت شخصيات الكتاب مكونة من طرفين، غير بشريَُين، ولكنهما يتصرفان كالبشر! اعتاد الطرفان على تناول الجبن في مكان ما في متاهة. وفجأة اختفى الجبن!! يصور الكتاب أن طرفًا انشغل بالبحث عمن أخذ الجبن، بينما اهتم الطرف الآخر بالبحث عن البديل!
يعالج الكتاب برمزية أزمة مجموعات واجهت التغير بأساليب مختلفة: البكاء على الأطلال، أو البحث عن جبن جديد في مكان جديد!
لا أدري مدى إنعكاس هذا الوضع على الحالة الأردنية، فهناك بعض المشتركات، لكنْ هناك فروق، فمن حرك الجبنة في الأردن معروف، لكن كيف تصرّف طرفا الأزمة؟ من الذي يبحث عن الجبن القديم؟ ومن الذي توقف عند من أخذ الجبن القديم؟ بل هل لدينا من يبحث عن جبن جديد؟ ومن الذي سيخرجنا من المتاهة؟
(١)
*درجة غليان الماء*
واصلت درجة حرارة الأزمة ارتفاعها التدريجي، وبدأ التسخين قبل١٥ /٤، ووصلت درجة الغليان في ذلك اليوم، وواصلت الارتفاع يوم الإثنين، بانعقاد البرلمان، حيث سمعنا خطابين: اتخذ الخطاب الأول طابعًا وطنيّا أمنيّا متهمًا الطرف الآخر، بالانحراف، والخيانة، وسمعنا حماسة غير معهودة في أي أزمة سابقة، فالبرلمانيون، وكتاب معروفون "ولّعوا" السهرة، وحصروا الطرف الآخر تحت تهديد الإقصاء من الحياة السياسية، والوطنية، والحزبية! مثل: (ينقلع والله لا يوفقه)..
أما خطاب الطرف الآخر ، فكان استرضائيّا، بائسًا، لم يصل إلى درجة الاعتراف بالواقع ، فزادوا من إعلان ولائهم للوطن، وعشقهم لأجهزته الأمنية وغير الأمنية. أجمعت الخطابات في البرلمان على أولويات الحكومة، وبتنا لا نعرف خلفية المتحدث البرلماني! هل هو حكومي، أم إخواني! استمرت جلسة وُصِِفت بأنها لاهبة مدة سبع ساعات ضدّ حزب جبهة العمل والإخوان.
(٢)
*هل يمكن إقصاء الإخوان،*
*أو وضعهم تحت الفصل السابع؟*
لست معجَبًا بالإخوان، والإخوان يبادلونني درجة أعلى من عدم الإعجاب! لكنني لن أشارك في الهجمة عليهم، ولن أرفع شعار "عليهُم عليهُم"، ولي في ذلك مسوّغات عديدة، ليس في مقدمتها ضرورة وجود الإخوان!
نعم، يمكن إقصاء الإخوان، لكن ما ثمن ذلك؟ هناك أثمان باهظة، وذلك للأسباب الآتية:
-إن الإخوان فكرة، وتنظيم أكثر مما هم أشخاص، وتدمير الأشخاص أكثر سهولة، من تدمير التنظيم، وتدمير الفكرة أكثر صعوبة، ولنتذكر كيف رفع جيش معاوية المصاحف على أسِنُة الرماح!
-إن استخدام العنف يولد عنفًا مضادّا، ولنتذكر نشأة داعش في العراق، والنصرة في سورية، فمحرك تلك الفئات قد يكون شبيهًاّ أو قريبًا من محرك أي جماعة دينية.
-إن الدولة لا ترغب في الاستغناء عن الإخوان، فهم من أقوى ركائزها، ومصادر قوّتها وربما بعض شرعيّتها.فالإخوان أداة الدولة في تحديد الحريات، والديمقراطية الحقيقية، والحداثة، والمرأة والتغيير …إلخ.
إذًا، يمكن القضاء على الإخوان، لكن كلفة ذلك باهظة! ماذا لو تحول الإخوان للعمل السري، ورفعوا المصاحف؟
(٣)
*متهمون أم مجرمون؟*
تعامل البرلمانيون، وكتّاب الحكومة، وعدد من العشائر متمسّكين برواية الحكومة. فالإعلام الحكومي والشعبي استخدم غريزة حب الوطن، وغريزة نعمة الأمن، وغريزة دعم الدولة من التهديدات، وكان الحصاد وفيرًا. لم يجد الإخوان حلّا، سوى التمسك بغرائز الإعلام الحكومي نفسه، والإعلام الشعبي نفسه أيضا. إنهم منذ جدودهم العشر الأواخر مواطنون يضحّون من أجل الوطن والأمن وحتى الأجهزة. وتنافسوا في عرض ولائهم الوطني، والأمني، واستنكارهم أيّ عبث بالأمن!
المهم؛ اقترح البرلمانيون تجريم الإخوان، وافقوا على ذلك! ولكن أحدًا ما لم يسأل كيف يُجرَّم متهم قبل بدء محاكمته! أين القانون ؟ وأين سيادة القانون؟
يبدو أن هناك من يرى وضع فصل سابع أردني، يعزل، ويحاصر، ويمنع، ويقاطع! هكذا أراد مديرو الأزمة بتعميقها، لا بالبحث عن حلٍ لها. فزعة" عليهُم عليهُم" ليس حلّا!!
(٤)
*الكرة تبحث عن عقل !*
حتى في كرة القدم يستخدم اللاعب قدَمه دقيقة واحدة ، ويستخدم عقله تسعًا وثمانين دقيقة، بخلاف طريقة لعبنا في هذه الأزمة!
استخدم أطراف الأزمة: حكومة، ومواطنون، و"إخوان " مفردات غير أردنية، مثل: قطع اليد، وقصّ اللسان ونزع الروح! ، "واللي ما يعجبه ينقلع !" فلم تحدث هذه السلوكيات بعد في بلادنا! فالأردنيون استعانوا على حل مشكلاتهم بالعقل والحكمة!
نعم، ألفاظ الإعلام الشعبي، والرسمي، والإخواني متشابهة!
فشل الخطاب البرلماني في تحديد هدفه، وفشل متسابقو الولاء في تقديم مقترح! تنافسوا
في دعم قضية الوطن، وفشل خطاب الإخوان بسبب وصولهم المتأخر إلى خطاب الولاء!
أما الأحزاب، فالبقية بحياتك!
ما زالت الكورة تبحث عن عقل، لا قدم، أو لسان! فمتى يتدخل العقل!!
في امتحان جلسة أمس لم ينجح أحد!
فهمت عليّ؟!!



















