+
أأ
-

تشريح "مسرحية حماس": كيف قوّضت الحركة أسس الإقليم وخدمت استراتيجية التوسع الصهيوني المعقدة؟

{title}
بلكي الإخباري


في قلب الشرق الأوسط المتقلب، حيث تتشابك خيوط السياسة والإيديولوجيا والصراع، تقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بؤرة تساؤلات وجودية حول جدوى مقاومتها وتأثيرها الحقيقي على القضية الفلسطينية والإقليم برمته. 

يذهب تحليل متزايد العمق إلى أبعد من مجرد وصف أفعالها بـ "المسرحية"، بل يرى فيها نمطًا سلوكيًا متجذرًا لم ينجح فحسب في تمزيق النسيج الهش للتضامن الإقليمي، بل قدم عن غير قصد، أو ربما بتأثير خفي، خدمة استراتيجية معقدة لأهداف المشروع الصهيوني التوسعي، الذي يتجاوز مجرد السيطرة على الأرض ليشمل تفكيك أي قوة إقليمية مناهضة. 

هذا التحليل المتعمق يسعى إلى تشريح هذه "المسرحية" وكشف طبقاتها المتعددة، مستكشفًا كيف ساهمت في إعادة تشكيل الخريطة الإقليمية وخدمة أجندة إسرائيل بعيدة المدى.

إن جوهر الانتقادات الأكثر عمقًا لحماس لا يقتصر على مجرد إدانة التصعيد العسكري المتكرر مع إسرائيل، بل يتجاوزه إلى فهم كيف يتم توظيف هذا التصعيد ضمن سياقات أوسع. يُنظر إلى توقيت هذه "المسرحيات" الدموية على أنه يخدم في كثير من الأحيان ليس فقط حسابات داخلية ضيقة أو استجابة لقوى إقليمية تسعى لزعزعة الاستقرار، بل أيضًا كجزء من ديناميكية أعمق تُضعف تدريجيًا أي إمكانية لتشكيل جبهة إقليمية موحدة وقادرة على مواجهة إسرائيل. هذا التفتيت الممنهج للوحدة الإقليمية، الذي يُنظر إلى أفعال حماس كأحد محفزاته، لم يؤدِ فقط إلى انقسام في المواقف، بل إلى إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، حيث وجدت دول نفسها منخرطة في صراعات جانبية أو تبنت مقاربات تصالحية تجاه إسرائيل تحت وطأة هذه الاضطرابات المستمرة. هذا التحول الاستراتيجي يخدم بشكل مباشر هدف إسرائيل في إضعاف أي تهديد إقليمي موحد.
 

الأكثر إثارة للقلق على المدى البعيد هو الكيفية التي تبدو بها هذه "المسرحيات" متوافقة مع الاستراتيجية الصهيونية المعقدة، التي لا تهدف فقط إلى التوسع الجغرافي، بل إلى هندسة بيئة إقليمية تضمن تفوقها المطلق. فكل تصعيد عسكري تبدأه حماس لا يوفر لإسرائيل الذريعة لتبرير عنفها وتوسيع عملياتها، بل يعزز أيضًا خطاب "الحق في الدفاع عن النفس" ويستقطب الدعم الدولي، بينما يتم تصوير الفلسطينيين كطرف غير مسؤول وغير قادر على الحكم الذاتي. 

 

حالة عدم الاستقرار المزمنة في غزة، الناتجة عن هذه الصدامات المتكررة، لا تضعف البنية التحتية للمقاومة فحسب، بل تخلق أيضًا واقعًا إنسانيًا مأساويًا يُستخدم كورقة ضغط سياسية لتشويه صورة المقاومة وتبرير الحصار المستمر.
يتجاوز التقويض المزعوم لجهود السلطة الفلسطينية مجرد تنافس على السلطة، ليُرى كجزء من استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد لإبقاء الفلسطينيين منقسمين وغير قادرين على تقديم جبهة موحدة للمفاوضات أو بناء دولة قابلة للحياة. من خلال التمسك بخيار المقاومة المسلحة كاستراتيجية مهيمنة، 

تُتهم حماس بإدامة حالة من الفراغ السياسي وتعطيل أي مسار نحو حل الدولتين أو أي تسوية سياسية عادلة، مما يخدم هدف إسرائيل في فرض حلول أحادية الجانب أو الحفاظ على الوضع الراهن.
 

أما بالنسبة لعلاقات حماس الإقليمية، فإن تحليلها الأكثر عمقًا يكشف عن دورها في تعميق الانقسامات الطائفية والإيديولوجية التي تمزق المنطقة. هذه التحالفات، التي غالبًا ما تُبنى على أسس ضيقة، لا تضعف فقط التضامن العربي والإسلامي حول القضية الفلسطينية، بل تُستخدم أيضًا كأدوات في صراعات إقليمية أوسع، مما يحول القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى مجرد ورقة في لعبة إقليمية معقدة تخدم مصالح قوى أخرى على حساب الفلسطينيين. هذا الاستقطاب يخدم بشكل مباشر استراتيجية إسرائيل في ترسيخ نفسها كحليف ضروري لبعض الأنظمة الإقليمية في مواجهة "التهديدات المشتركة".

وعليه فإن "مسرحية حماس"، في تحليلها الأكثر عمقًا، تكشف عن تداعيات تتجاوز بكثير حدود غزة، لتطال أسس النظام الإقليمي بأكمله وتخدم استراتيجية إسرائيلية معقدة تهدف إلى إعادة هندسة المنطقة بما يضمن تفوقها. فبدلاً من أن تكون قوة موحدة نحو التحرير، يبدو أن أفعال الحركة تساهم، عن غير قصد أو ربما بتأثير خفي، في تفكيك التضامن الإقليمي وتقديم خدمة استراتيجية متعددة الأوجه للمشروع الصهيوني التوسعي، ليس فقط على صعيد الأرض، بل على صعيد النفوذ السياسي والاستراتيجي. إن الفهم العميق لهذه الديناميكيات المعقدة يصبح ضروريًا ليس فقط لإدانة الأخطاء، بل لإعادة التفكير بشكل جذري في استراتيجيات المقاومة الفلسطينية وسبل استعادة الوحدة الإقليمية في مواجهة المشروع الصهيوني بعيد المدى.