+
أأ
-

علا شربجي تكتب : السعودية تلمع في سماء الوساطات والتوازنات الاستراتيجية: من الهامش إلى مركز الثقل الدولي

{title}
بلكي الإخباري

 

بقلم الكاتبة علا الشربجي :  إعلامية _كاتبة سياسية 

في عالم تتقاذفه الصراعات وتشتد فيه لعبة المصالح، تبرز السعودية اليوم بوصفها قوة إقليمية ذات وزن عالمي، تُعيد رسم خريطة التأثير السياسي والدبلوماسي، بعدما انتقلت من موقع “الدولة التابعة” إلى موقع “صانعة التوازنات”. لم تعد الرياض مجرّد لاعب في الهامش، بل باتت مركز ثقل في معادلات الإقليم والعالم.

مبادرات الوساطة التي قادتها المملكة — بين روسيا وأوكرانيا، وفي الملف السوداني، وفي ملفات التهدئة مع إيران، وحتى في الشأن اليمني — كشفت عن دور سعودي جديد لا يقوم على الانحياز، بل على إدارة التناقضات بعقل استراتيجي، يستوعب الجميع، ولا يُستدرج للصراعات المحسومة سلفاً. هذه القدرة على “اللعب من فوق”، لا تملكها سوى الدول التي أصبحت تتحكم في مفاتيح التوازن السياسي والاقتصادي.

وسط هذه الصورة، يعود دونالد ترامب إلى الواجهة، يحمل معه أدواته القديمة من “صفقات” و”تهديدات”، متخيّلاً أن بإمكانه إعادة فرض الإملاءات ذاتها على دول الخليج، وعلى رأسها السعودية. لكن المشهد تغيّر، واللاعبون تغيّروا. ذهب السعودية الأسود لم يعد فقط سلعة في السوق، بل صار ورقة ضغط وقرار سيادي مستقل.

اليوم، السعودية تعرف جيداً أن أمن الطاقة في العالم رهين قرارها، وأن استقرار أسواق النفط يمرّ من الرياض. ولذلك، لم تعد تسمح بأن تُعامَل كطرف هامشي، بل كـشريك ندّي، يفاوض من موقع القوة لا التبعية.

زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران قبل أيام، ولقاؤه بالمرشد الأعلى، كانت أوضح تعبير عن هذا التحوّل: فالمملكة تُمسك اليوم بالخيوط المتشابكة في الإقليم، وتُدير ملفات الأمن والسياسة والتحالفات من بوابة المصالح الوطنية لا الإملاءات الدولية. حتى الملف اليمني، الذي لطالما وُصف بأنه عبء على السعودية، بدأ يُدار اليوم بعقلية تصفية النزاع لا تعميقه، بالتوازي مع مراقبة واشنطن وطهران لتبادلات النفوذ.

وهنا بيت القصيد:

هل يستطيع ترامب اليوم، بكل أدواته وخطاباته الشعبوية، أن يُملي شروطاً على السعودية؟

الجواب ببساطة: لم يعد ذلك ممكناً.

فالمملكة لم تعد ذلك الكيان الباحث عن مظلة أمنية غربية بأي ثمن، بل باتت تملك مناعتها السيادية وموقعها الجيواستراتيجي وشرعيتها الإقليمية، وهي ثلاثية كافية لقلب الطاولة على من يظن أن زمن الهيمنة لا يزال صالحاً في 2025.

ختاماً، فإن السعودية اليوم لا تُعيد التموضع فقط في المشهد الدولي، بل تُعيد تعريف دورها بالكامل: دولة وساطة، ودولة قوة، ودولة قرار. وهذه هي الوصفة الدقيقة لدولة تصنع سياستها بيدها، وتوازن بين الشرق والغرب على إيقاع مصلحتها لا مصالح الآخرين.