+
أأ
-

فيجا ابو شربي تكتب: كيف تُشفى الأمم نفسيًا؟ من الصدمة إلى التعافي

{title}
بلكي الإخباري

 

الأمم – مثل الأفراد – تتألم، وتنكسر، وتفقد المعنى. تمرّ بصدمات جماعية تهزّ وجدانها، وتترك في ذاكرتها ندوبًا لا تُمحى بسهولة. قد تكون الصدمة حربًا، نكسة، مجاعة، أو قمعًا طويلًا أفقد الشعوب ثقتها بذاتها وبمن حولها. غير أن السؤال الأهم ليس في حجم الصدمة، بل في قدرة الأمة على التعافي منها. التعافي الجمعي لا يحدث فجأة. إنه مسار طويل يبدأ بالاعتراف بالألم. فالمجتمعات التي تُنكر جراحها، أو تحاول دفنها تحت شعارات القوة، لا تشفى، بل تنقل آلامها من جيل إلى آخر. وحدها الأمم التي تواجه صدماتها بصدق، وتسمح لنفسها بالبكاء، ثم بالتفكير، تستطيع أن تُعيد لوجدانها التوازن. في لحظات الانكسار، ينهار الإحساس بالثقة، وتضطرب صورة الذات. وتبدأ الأسئلة القاسية: من نحن؟ كيف حدث هذا؟ وهل نستحق ما جرى؟ وهنا، يبدأ الوعي الجمعي في إعادة تشكيل نفسه، في محاولة لفهم الألم، واستخلاص دروسه، بدل أن يُنكره أو يكرره. غير أن التعافي لا يكتمل دون سرد. فكل أمة تحتاج إلى أن تروي قصتها، أن تكتب الألم بلغتها، أن تُحوّل الصدمة إلى حكاية تُروى، لا عقدة تُنكر. ومن خلال السرد، يتحوّل الألم إلى معرفة، والخسارة إلى وعي، والسقوط إلى بداية جديدة. هذا التعافي يحتاج بالضرورة إلى قادة وجدانيين، لا مجرد سياسيين. قادة يُجيدون الإنصات لنبض الناس، يُرممون الثقة، ويُعيدون بناء اللغة المشتركة التي تفككت في زمن الانكسار. يحتاج إلى رموز فنية وأدبية تعبّر عن الجرح بطريقة تُطهّره، لا تُفاقمه. التعافي أيضًا يتطلب عدالة. فالمجتمعات التي تتجاهل المظالم، أو تُفلت الجناة من الحساب، تبني حاضرها على رمال الخوف والمرارة. وحدها العدالة، حتى لو تأخرت، قادرة على مداواة الجرح الجماعي، وإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية، شفاءات الأمم و لا تكتم دون أمل، فالألم يُصبح عبئًا إذا لم يُرافقه حلم. والأمل لا يأتي من الخطابات الكبرى فقط، بل من التفاصيل الصغيرة: من مدرسة تُبنى، من طفل يضحك، من امرأة تقود مشروعًا في حيّ فقير، من شاب يقرأ عن العالم ويؤمن بأنه قادر على تغييره. التعافي ليس نسيانًا، بل تذكّرٌ صحيّ.هو إعادة بناء الذات الجمعية على أسس جديدة، أكثر نضجًا، أكثر رحمة، وأكثر تصالحًا مع ما حدث وما يمكن أن يحدث.