أ- د - صلحي الشحاتيت - الجامعات الرسمية إلى أين؟

بين ترشيد النفقات وتفريغ الكفاءات.."
في ظل التحديات الاقتصادية المتراكمة التي تواجهها الدولة، اختارت الحكومة أن تُرسل رسالة مُعلنة إلى الجامعات الرسمية، مفادها: “ترشيد النفقات والحد من المديونية”. وهي رسالة تتماشى مع ضرورة إصلاحات مالية وإدارية لا يمكن إنكارها، خاصة في ظل تنامي العجز المالي وتراجع الدعم الحكومي المباشر لموازنات الجامعات. غير أن القراءة المتأنية لما يجري على الأرض تكشف عن رسالة ضمنية لا تقل وضوحًا، مضمونها: “من يملك بديلاً، فليغادر”.
الواقع يُشير إلى أن الجامعات الرسمية باتت تواجه موجة خروج طوعي أو قسري للكفاءات الأكاديمية، نتيجة لتقليص الحوافز، وتجميد الترقيات، وتقليص فرص البحث العلمي، وتراجع بيئة العمل الجامعي من حيث الاستقرار والدعم المؤسسي. وهذا ليس مجرد انطباع أو حديث عابر؛ بل حقيقة تؤكدها أرقام التقاعد المبكر، واستقالات أصحاب الكفاءات، وتزايد أعداد الباحثين عن فرص بديلة خارج البلاد أو في الجامعات الخاصة.
إن ترشيد النفقات يجب أن يكون عملية مدروسة ومبنية على أولويات واضحة، تميز بين الهدر الإداري، وبين الاستثمار في الكفاءات البشرية التي تشكل العمود الفقري لأي نهضة علمية أو تنموية. أما أن يتم تسويق “التقشف” كحل شامل، دون مراعاة خصوصية الجامعات كحاضنات للعلم والمعرفة، فذلك يُهدد بتفريغ هذه المؤسسات من مضمونها ورسالتها.
ما يقلق أكثر هو أن هذه السياسات قد تُفضي تدريجياً إلى تراجع مكانة الجامعات الرسمية، سواء على مستوى التصنيفات الأكاديمية أو على صعيد قدرتها على المنافسة والابتكار والإسهام في التنمية الوطنية. كما أن فقدان الكفاءات ليس خسارة آنية فحسب، بل هو نزيف يمتد أثره إلى الأجيال القادمة التي ستحرم من التعلّم على يد نخبة من العلماء والمختصين.
ختاماً، إن الجامعات الرسمية ليست عبئاً مالياً، بل استثمار وطني طويل الأمد. وإذا لم يُعاد النظر في السياسات الراهنة بما يحفظ كرامة الكفاءات ويعزز دور الجامعات في النهضة المجتمعية، فإن الخطر لن يقتصر على المؤسسة الأكاديمية، بل سيمتد إلى بنية الدولة المعرفية والعلمية بأكملها.
أ.د. صلحي الشحاتيت
*أستاذ الكيمياء – جامعة مؤتة.
*رئيس سابق لجامعة العقبة للتكنولوجيا.



















