+
أأ
-

أ- د - صلحي شحاتيت يكتب :- الرئاسة أم الإدارة: موقع القيادة في الجامعة وأثره في جودة المخرجات الأكاديمية والبحثية

{title}
بلكي الإخباري

.."

في ظل الحراك المتسارع لتطوير التعليم العالي عالميًا، تبرز تساؤلات جوهرية تتعلق ببنية الحوكمة الجامعية، ومن أبرزها: ما الفرق بين “رئيس الجامعة” و”مدير الجامعة”؟ وهل لهذه التسمية أثر يتجاوز حدود اللغة ليصل إلى جوهر الأداء القيادي وأثره في مخرجات الجامعة الأكاديمية والبحثية؟

تختلف هذه التسمية من دولة إلى أخرى؛ ففي الدول الأنجلوساكسونية مثل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، يُستخدم لقب “President” أو أحيانًا “Vice-Chancellor” للإشارة إلى الموقع التنفيذي الأعلى في الجامعة، وغالبًا ما يكون هذا الموقع مرتبطًا بوضع الرؤى والسياسات العامة، والتمثيل الخارجي، وضمان جودة الأداء الأكاديمي والبحثي. وفي المقابل، نجد في بعض الدول، لا سيّما في عدد من الدول العربية، استخدامًا متداخلًا أو غير دقيق للمصطلحين، حيث يُطلق لقب “مدير الجامعة” حتى في سياقات تتطلب قيادة استراتيجية لا مجرد إدارة تنفيذية.

الفرق بين “الرئيس” و "المدير” ليس شكليًا أو لغويًا فحسب، بل يعكس فلسفة واضحة في ممارسة الدور الجامعي. فـ”الرئيس” يُتوقع منه أن يكون صاحب رؤية، ومسؤولًا عن قيادة الجامعة نحو التميز والتنافسية، من خلال رسم السياسات وصياغة خطط التطوير واستشراف المستقبل. أما “المدير”، بالمفهوم التقليدي، فينحصر دوره غالبًا في تنظيم العمليات اليومية وتسيير الشؤون الإدارية وفق خطط موضوعة سلفًا.

لذا، فإن حصر الدور الجامعي الأعلى في الإطار الإداري، دون تمكين حقيقي لممارسة القيادة المؤسسية، يؤدي إلى تجميد التطوير، وتراجع التميز، وتدنّي جودة المخرجات، ويُفقد الجامعة دورها كمؤسسة معرفية رائدة، تسهم في خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد القائم على العلم والتكنولوجيا.

 

إن النهوض الحقيقي بجامعاتنا، وتمكينها من بلوغ التنافسية العالمية، يتطلب إعادة تعريف دور القيادات الجامعية، والانتقال من مفهوم “الإدارة” إلى “الرئاسة” بمعناها القيادي الشامل. ويشمل ذلك:

• منح الجامعات استقلالية مؤسسية كاملة في إدارة شؤونها الأكاديمية والإدارية والمالية، ضمن أطر قانونية مرنة ومنظمة.

• وضع آليات مساءلة وازنة، عادلة، وموضوعية تعزز من الشفافية والمهنية، دون أن تقيد حرية القرار أو تضعف المبادرة.

• تمكين الرؤساء الجامعيين من أدوات التخطيط الاستراتيجي، وتقييم أدائهم استنادًا إلى مؤشرات دقيقة وموضوعية، ترتبط بجودة التعليم، ونواتج البحث العلمي، ومدى الإسهام في خدمة المجتمع والتنمية الوطنية.

إن خصوصية جامعاتنا، وما يتوفر فيها من كفاءات وطنية مؤهلة أكاديميًا وإداريًا وقياديًا، تضعنا أمام خيار حتمي:

الانتقال إلى نموذج جامعي وطني مستقل، يقوده رئيس يحمل رؤية لا مدير ينفذ تعليمات، ويعمل ضمن منظومة حوكمة تمكينية، تحكمها المساءلة لا التقييد، والتمكين لا المركزية، والتخطيط لا التسيير.

الأستاذ الدكتور صلحي الشحاتيت

*أستاذ الكيمياء بجامعة مؤتة.

*رئيس سابق لجامعة العقبة للتكنولوجيا.