+
أأ
-

علا شربجي : التسلل الإعلامي الإخواني .. اختراق ناعم لبنية الوعي و تفعيل هادئ لمنبر أيدولوجي

{title}
بلكي الإخباري

بقلم علا الشربجي : إعلامية _كاتبة سياسية

  إن الإعلام الإخواني، أو ما يمكن تسميته بـ “الإعلام البديل” الذي تتبناه التنظيمات الإخوانية، لا يعد مجرد قناة نقل للرسائل أو أدوات ترفيهية. بل أصبح في العديد من الأحيان وسيلة رئيسية لتشكيل الوعي المجتمعي، وهو أداة فعالة لتمرير أجندات سياسية وإيديولوجية متخفية تحت غطاء الاستقلالية والموضوعية. 

وفي السياق الأردني، حيث يتسم الإعلام بالتنوع ويواجه تحديات كثيرة من الإعلام الخارجي، يظل التغلغل الإعلامي للإخوان أخطر من أي تحركات سياسية أو اجتماعية أخرى.

أولًا: الإعلام الإخواني ليس بريئًا

العديد من الصحفيين والإعلاميين الذين يرتبطون بحركة الإخوان المسلمين لا يقتصرون على نقل الأحداث أو المعلومات بموضوعية، بل يتعمدون توجيه الرأي العام لصالح أجنداتهم، حتى وإن كانت تلك الأجندات تتناقض مع مصلحة الدولة الأردنية.

في الغالب، يتنكر هؤلاء الإعلاميون خلف “شعارات حرية الرأي والتعبير”، لكن ما يخفونه هو الولاء العميق للأيديولوجيا الإخوانية التي تتجاوز الحدود الوطنية، وتعمل على إشاعة خطاب يعزز من ثقافة الاستقطاب والتقسيم بين فئات المجتمع. ومن خلال التركيز على القضايا الإنسانية مثل حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والفقر، يحاولون استقطاب قطاعات واسعة من الجمهور دون أن يظهروا علنًا انتماءاتهم الحزبية.

ثانيًا: تأثير الإعلام الإخواني على الخطاب العام

إن الإعلام في أي دولة يُعد أحد أهم مؤشرات القوة الناعمة، وعندما يتحكم فيه تيار له أجندات سياسية متشابكة مع خارج الدولة، يصبح تأثيره أكبر وأخطر من أي تحرك سياسي علني. في الحالة الأردنية، حيث يتسم الوضع الإقليمي بالقلق والتوترات، يكتسب الإعلام الإخواني دورًا مزدوجًا، فهو من جهة يدعي الدفاع عن مصالح المواطنين، ومن جهة أخرى يسعى لتوجيه النقاش العام بما يتماشى مع أجندة التنظيم.

الإعلام الإخواني يملك القدرة على بناء سردية بديلة عن الواقع، حيث يعيد صياغة الأحداث ويمنحها سياقًا يتناسب مع رؤيته الخاصة، مما يؤدي إلى تشويش الوعي العام، ويجعل من الصعب على المواطنين التفريق بين الحقيقة والتحريف.

ثالثًا: الإعلام الإخواني كأداة لإعادة التموضع السياسي

ما يميز الإعلام الإخواني عن السياسيين الإخوان هو أنه يتمتع بقدرة على الانتشار والانتقال بين الأجيال والأوساط الاجتماعية المختلفة. إذ يمكن للإعلاميين أن يظهروا في صورة “مستقلين” و”محايدين”، ولكن في الواقع هم ينقلون خطابات مشبعة بالأيديولوجيا الإخوانية التي تتنكر تحت مسميات مثل “الحرية” و”العدالة الاجتماعية”.

في حال كانت التيارات السياسية التقليدية قد فقدت بعض قوتها، فإن الإعلام الإخواني يمكنه ملئء الفراغ بشكل تدريجي، من خلال ترويج أفكارهم بين الشباب والأجيال الجديدة. 

الخطاب الإعلامي الإخواني يتسلل بلطف عبر منصات الأخبار، والمواقع الإلكترونية، وحتى برامج الترفيه، ليزرع في عقول المتلقين صورة مشوهة عن الحقائق، وبالتالي يستمر في بناء مجتمع منقسم، يضع مصالح التنظيمات العابرة للحدود قبل مصلحة الوطن.

رابعًا: الآثار المستقبلية للتغلغل الإعلامي للإخوان

التأثير الناعم للإعلام الإخواني يتجاوز التصريحات السياسية إلى تغيير طويل الأمد في بنية المجتمع الأردني. فالإعلام لا يشكل فقط الوعي العام، بل يسهم في تشكيل القيم والمفاهيم التي يتم تداولها، مما يعزز من إمكانية تكوين حركات اجتماعية وشبابية لا تعي حقيقة الأجندات التي تديرها تلك التنظيمات.

فإذا تم ترك هذا التغلغل الإعلامي دون معالجة جدية، فسيؤدي ذلك إلى إضعاف الهوية الوطنية الأردنية، ويساهم في إطالة أمد الاستقطاب الطائفي والفكري بين أفراد المجتمع. ففي نهاية المطاف، إن الوعي الجمعي للأمة يتأثر بما يُبث في الإعلام، وإذا كانت هذه الأيديولوجيات هي التي تسيطر على منصات الإعلام المؤثرة، ستصبح القيم الوطنية في خطر.

مواجهة التغلغل الإعلامي للإخوان

لم يعد الأمر مقتصرًا على حل التنظيمات أو تصريحات سياسية، بل يجب أن يكون هناك وعي حقيقي بأخطار الإعلام كأداة لفكر الإخوان. علينا أن نواجه التغلغل الإعلامي ليس فقط بالرقابة القانونية، ولكن من خلال بناء استراتيجيات إعلامية وطنية قادرة على تقديم خطاب موازٍ يستند إلى القيم الوطنية، والتنوع الثقافي، والحقوق السياسية والاجتماعية.

إلى جانب ذلك، يجب أن تظل الرقابة الإعلامية على المحتوى الذي يُروج من قبل الإعلاميين المرتبطين بالإخوان المسلمين، مع تعزيز الشفافية والمصداقية في الإعلام الوطني، لضمان أن يبقى هذا المنبر مسؤولًا عن نقل الحقيقة بعيدًا عن الأيديولوجيات الخفية و الدفع لتشاركية البناء مع المواطن و حمايته من الخروقات الفكرية التخريبية التي تبني مصالحها ضد مصلحة الوطن . 

أخيرًا، قد يكون هناك من يظن أن الإعلام ليس أداة فاعلة بما يكفي، لكن في ظل المتغيرات السياسية الحالية، أصبح من الضروري التسلح بالوعي الإعلامي لمواجهة الفكر الإخواني الذي يعيد تشكيل المشهد الأردني بأساليب ناعمة، لكن خطيرة .