د عاطف زريقات. يكتب: الازدواجية في معايير حرية التعبير ومفهوم معاداة السامية في السياق الأمريكي

رغم أن الولايات المتحدة تُعَرّف نفسها باعتبارها رائدة الحريات والديمقراطية إلا أن ممارساتها على أرض الواقع تكشف عن ازدواجية واضحة خصوصاً عندما يتعلق الأمر بانتقاد السياسات الإسرائيلية فعلى الرغم من أن حرية الرأي والتظاهر من الحقوق الدستورية الأساسية إلا أن أي تعبير عن التضامن مع الفلسطينيين أو نقد لسياسات الاحتلال الإسرائيلي غالباً ما يُواجَه باتهامات بمعاداة السامية مما يؤدي إلى قمع الأصوات المعارضة ووصمِها أخلاقياً وسياسياً بغض النظر عن الوقائع الميدانية وما تحمله من أدلة على الانتهاكات الجسيمة في غزة والضفة الغربية ٠
يُعزى ذلك إلى التأثير الكبير للوبي الصهيوني في دوائر صنع القرار الأمريكي لا سيما في الكونغرس حيث تجلى هذا النفوذ في الاحتفاء المبالغ به برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مشهد يذكر بأنماط التهليل الرسمي التي تميز أنظمة العالم الثالث وهو ما لا ينسجم مع صورة الدولة الديمقراطية الليبرالية ٠
تحت ذريعة القضاء على حركة حماس تُنفَّذ سياسات عقابية جماعية ضد المدنيين في غزة والضفة الغربية تشمل تدميراً واسع النطاق للبنية التحتية وتهجيراً قسرياً واعتداءات متكررة من قبل المستوطنين دون طرح بدائل سياسية أو إنسانية لمعالجة جذور الصراع هذا النهج يثير تساؤلات جدية حول الأهداف الحقيقية لتلك العمليات وإن كانت تُوظَّف كغطاء لتنفيذ مشاريع استراتيجية تتجاوز مجرد الرد على تهديدات أمنية ٠
وفي هذا السياق شكّلت الجامعات الأمريكية أحد أبرز ميادين الاحتجاجات المناصرة لحقوق الفلسطينيين . فبحلول 6 مايو/أيار 2024 شهدت 140 جامعة في 45 ولاية أمريكية ومقاطعة كولومبيا مظاهرات اعتصامات وإضرابات دعماً لغزة هذه التعبئة الطلابية الواسعة قوبلت بإجراءات عقابية من الدولة حيث تم تعليق تمويلات فيدرالية بمليارات الدولارات عن جامعات مثل هارفارد وكولومبيا بسبب رفضها الانصياع لسياسات تفرض قيوداً على حرية التعبير بدعوى مكافحة معاداة السامية ٠
تُظهر هذه التطورات أن مفهوم معاداة السامية يُستَغل في السياق الأمريكي لتقييد الخطاب النقدي ضد إسرائيل وتحويل الاحتلال من قضية سياسية قابلة للنقاش إلى مقدس لا يجوز مَسّه وهو ما يحول دون فتح حوار صادق حول السياسات الاستعمارية والاستيطانية المستمرة ٠
وفي ضوء استمرار المجازر والانتهاكات في غزة والضفة فإن موقف المجتمع الدولي ما يزال متردداً ولا يتعدى في أغلبه بيانات شجب رمزية لحفظ ماء الوجه في ظل غياب إجراءات عملية تضع حداً لهذا الهولوكوست الفلسطيني . هذا الواقع يكشف أن منظومة حقوق الإنسان كما تُمارس عالمياً تخضع لمنطق المصالح والانتماءات وليست نابعة من التزام عالمي حقيقي بالمبادئ الإنسانيه ٠
















