الطقوس الجمعية ودورها في تثبيت الوجدان القومي – في سياق 25 أيار، عيد الاستقلال

فيجا ابو شربي
في مسار تطور الشعوب، تبرز الطقوس الجمعية كأحد الأعمدة الراسخة التي تؤدي وظيفة مزدوجة: فهي تُشعر الأفراد بالانتماء، وتُعيد إنتاج هوية الأمة بشكل دوري. هذه الاحتفالات، سواء كانت دينية أو وطنية أو اجتماعية، تمثل لحظات رمزية تُجدد من خلالها الجماعة تماسكها العاطفي، وتُرسّخ سردياتها الكبرى في الوعي الجمعي. فالاحتفالات الوطنية، مثل عيد الاستقلال في 25 أيار، لا تُعدّ مجرد مظاهر احتفالية، بل هي مشاهد وجدانية يُعاد فيها تمثيل التاريخ بطريقة تُثير العاطفة وتُبقي الذاكرة الجماعية حيّة وفعّالة.
إن ما يمنح الطقوس الجمعية هذا الأثر العميق في الوجدان القومي هو طابعها التكراري وقدرتها على تحويل المعنى المجرد إلى تجربة حسية مشتركة. فرفع العلم، أداء النشيد الوطني، إشعال الشعلة، أو حتى دقيقة الصمت، كلها رموز تُعيد إحياء الشعور بالمصير المشترك، وتستدعي سلسلة من القيم والانفعالات المرتبطة بالهوية والانتماء. وغالبًا ما تمتزج هذه الطقوس بين رمزية الماضي وتأويلات الحاضر، مما يسمح لها بأن تبقى حيّة ومرنة، قابلة لإعادة التفسير وفقًا للسياق السياسي والاجتماعي المتغيّر.
وتلعب هذه الطقوس دورًا محوريًا في نقل المشاعر الجمعية عبر الأجيال. فحين يشارك الطفل في إحياء عيد الاستقلال، حتى دون وعي كامل بمعناه، فإنه يُصبح شريكًا في سردية وطنية تتسلل إلى وجدانه عبر الإيقاع والتكرار والرمز. وهكذا، تشكل الطقوس أدوات غير مباشرة لتربية الوجدان القومي، لا تعتمد على الشعارات والخطابات بقدر ما تؤسس لانفعالات راسخة تنبع من المشاركة في الفعل الرمزي نفسه.
إن التفكير في الطقوس الجمعية، ليس كمجرد تقاليد تُؤدى آليًا، بل كوسائل لتجديد الشعور الجمعي، يمثل مدخلًا أساسيًا لبناء وعي قومي حديث. وعيٌ يحتفي بالتعدد، ويعزز المشاركة لا الطاعة، ويستثمر في العاطفة الجمعية دون أن يُلغي العقل النقدي. ففي هذا التوازن، يمكن للطقوس أن تبقى جسرًا حيًا بين الماضي والمستقبل، تعيد تفعيل الروح الجماعية حين يتهددها التفكك أو الاغتراب في زمن التغيرات المتسارعة.



















