+
أأ
-

ديما المجالي تكتب :- هواجسي عند المرور في الطريق الصحراوي والتأمل به !!!

{title}
بلكي الإخباري

 

في كل مرة أقطع الطريق الصحراوي، لا أرى مجرد إسفلت يمتد بين المحافظات… أراه شريط ذاكرة، ومسرحًا واسعًا يعرض وجعًا صامتًا لا يسمعه أحد.
أُحدّق عبر نافذة السيارة، وأتأمل…
تمرّ السيارات مسرعة، لكن قلبي يتمهّل، يُفكّر، يرتبك...أخشى أن أكون شاهدة على انحدار بطيء… لا أحد يوقفه.

هل أصبح كل همّنا فقط "لقمة اليوم"؟
أحقًا اختُزلت أحلامنا وطموحاتنا وآمالنا في فتات العيش؟
نلهث خلف قوت يومنا،نتسابق مع الأسعار، ونغرق في تفاصيل الحياة اليومية المرهقة لكننا نغفل – ببرود قاتل – أننا نترك وراءنا صحراء تزداد اتساعًا، وهواءً يزداد اختناقًا، ومياهًا تتناقص دون اكتراث، ونفايات تتكدس أمام أعيننا كأنها ليست وصمة على جبيننا!

ماذا سنورث أطفالنا؟
ماذا سنقول حين يسألنا جيل الغد:
– لماذا صمتّم وأنتم ترون الأرض تموت؟
– لماذا لم تحموا الأشجار التي كانت تؤنس الطرقات؟
– كيف رضيتم أن تجف الأنهار، وتُهدر المياه، وتُقتل التربة؟
– لماذا تركتم الطريق بهذا القبح؟
– كيف رضيتم أن تُصبح الصحراء مكبًا؟
– وأين كنتم حين كانت الأرض تستغيث؟
فبماذا سنجيب؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل سنقول لهم إننا كنا مشغولين فقط بفاتورة الكهرباء؟
هل سنخبرهم أن صوت الجوع كان أعلى من صوت الطبيعة وهي تستغيث؟

أليست المسؤولية اليوم أن نعيش من أجل الغد، لا على حسابه؟
أليس من العدل أن نُبقي لهم شيئًا أخضر، نقيًّا، حقيقيًا؟
ما قيمة لقمة العيش إن كانت مغموسة في تلوّث، مغلفة في بلاستيك لا يتحلل، ومحمولة في هواء مسموم؟

أشعر بالخوف، نعم، بالخوف الحقيقي....أخاف من أن نصحو ذات يوم فلا نجد شجرة نستظل تحتها، ولا زراعةً نأكل منها، ولا جدول ماء يغسل وجوهنا...أخاف على الكرك، على سهولها، على جبالها التي كانت تُروى من الغيم، وأخاف أكثر على الطريق الصحراوي… ذاك الطريق الذي أصبح مرآة لانهيار علاقتنا مع الأرض.
من كان يظن أن الطريق الذي يربط الجنوب بقلب الأردن سيُحاصر بمكبّات عشوائية، وأن رائحة النفايات ستمتزج بأنفاس العابرين، وأن الصحراء نفسها – التي صمدت لقرون – ستتحول إلى ساحة مفتوحة  للتعدي والاهمال؟

لكن لا يزال هناك أمل…
أمل إن قررنا أن نكون صوتًا للغد، لا مجرد صدى ليومنا المتعب.
أن نُعيد رسم الطريق لا بالحجارة فقط، بل بالوعي، بالمسؤولية، وبالاحترام العميق للأرض.
أن نزرع شجرة، لا لنأكل منها، بل ليرى أحفادنا ظلّها...
أن نُبقي وادي الكرك حيًا، والطريق الصحراوي نظيفًا، لنحفظ كرامة المسير وكرامة الوطن.

كفى صمتًا ✋️ كفى أعذارًا. فلنكن نحن البداية....فلنُعيد للأرض صوتها… وللطريق كرامته.