+
أأ
-

المهندس سعيد المصري يكتب رڤييرا غزة ومشروع The Great Trust: هندسة التهجير الناعم في شرق أوسط يعاد تصميمه

{title}
بلكي الإخباري

 

 

وسط ركام الحرب في قطاع غزة، وبين رائحة الدم والدخان، يطفو مشروع “رڤييرا غزة” – المعروف أيضًا باسم The Great Trust – كمخطط غامض يجمع بين التكنولوجيات المتقدمة كـ”البلوكشين” ورؤى ما بعد الحداثة، ليعرض تحويل غزة إلى منطقة تجارية وسياحية وصناعية فاخرة، أشبه بجزيرة “هونغ كونغ على المتوسط”.

لكن، خلف هذا المشروع اللامع ظاهريًا، تتوارى خطة تهجير جماعي ناعم، تتضمن منح “جوائز مغادرة” للفلسطينيين تصل إلى 9,000 دولار للفرد، بهدف تقليل عدد السكان تدريجيًا و”تصفية الكتلة الديمغرافية” في قطاع غزة. وتشير الوثائق إلى أن 400,000 فلسطيني مستهدفون في المرحلة الأولى من المشروع، كخطوة أولى نحو إعادة تشكيل المشهد السكاني والسياسي.

اللافت أن مشروع “رڤييرا غزة” لا يعتمد على الجرافات وحدها، بل على آليات السوق. فالخطة تموّه عملية تطهير عرقي تدريجي على أنها “خطة اقتصادية للفرص والاستثمار”، توظف فيها أدوات رقمية مثل توثيق الملكيات على البلوكشين، والعملات المشفرة، وعقود الذكاء الاصطناعي، لإضفاء الشرعية على الاستحواذ على الأراضي وإعادة توطين السكان.

ورغم نفي بعض الأطراف تورطها، بما في ذلك معهد توني بلير للتغيير العالمي، فإن التحقيق الذي نشره موقع Middle East Monitor بتاريخ 8 تموز 2025، يُظهر بالأدلة والوثائق أن هناك مخططات جاهزة للتنفيذ، وأن الفكرة لم تعد مجرد ورقة عمل، بل أصبحت مشروعًا محاطًا بشبكات دعم سياسي وتجاري دولية.

استضافة الرئيس الأميركي بنيامين نتنياهو في واشنطن، والاجتماعات المكثفة بين المساعدين، تشير إلى تفاهم عميق على دمج مشروع “رڤييرا غزة” في سياق اتفاقيات إبراهيم، التي تشكل اليوم المظلة الإقليمية لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية في المشرق العربي.

فحسب ما تم تسريبه من دراسات أعدتها شركات استشارية عالمية، تبلغ العوائد السنوية المتوقعة من المشروع حوالي 350 مليار دولار – رقم ضخم يكفي لإغراء العواصم الغربية والخليجية باعتبار المشروع “فرصة استثمارية فريدة” وليس “جريمة إنسانية منهجية”.

ما يجري في غزة ليس معزولًا عن التحولات الجيوسياسية الكبرى في المنطقة. بل يشكل نموذجًا مصغرًا لما يُعدّ في الكواليس تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد”، وهو مشروع تقوده الولايات المتحدة بمشاركة فعالة من إسرائيل، ويستهدف إعادة تشكيل الخارطة السياسية والديمغرافية لسوريا ولبنان وحتى العراق.

هذا المشروع يسعى لتصفية القضية الفلسطينية نهائيًا بضم الضفة الغربية تدريجيًا، وتحويل غزة إلى منطقة استثمارية لاجئين بلا سيادة. كما يستهدف تفكيك الدولة الوطنية في سوريا ولبنان، واستبدال فكرة المقاومة والهوية الجامعة بنموذج السوق المفتوح، وتدويل التنمية وفق معايير رأسمالية غربية تُخضع السيادة لمتطلبات الاستثمار الأجنبي.

وفق الخطط الإسرائيلية الجارية، فإن الفلسطينيين المقيمين في الضفة وغزة ما بعد تنفيذ هذه المشاريع سيُعاد تصنيفهم ليس كمواطنين ولا كلاجئين، بل كـ”عرب مقيمين” بلا حقوق في الأرض أو التمثيل السياسي – مجرد قوة عمل مرنة قابلة للتدوير أو الترحيل حسب الحاجة.

هذا النموذج يعيد إلى الأذهان تجربة “البانتوستانات” في جنوب إفريقيا إبان نظام الفصل العنصري، حيث سُمح للسكان الأصليين بالعيش في مناطق منعزلة بلا سيادة حقيقية، فيما احتفظت الدولة الاستعمارية بسيطرتها الكاملة على الأرض والثروات والقرار السياسي.

“رڤييرا غزة” ليست مشروعًا عقاريًا، بل محاولة لإعادة كتابة الواقع الفلسطيني، حيث تتحول المأساة إلى فرصة، ويصبح الدم تمهيدًا لتشييد الفنادق والموانئ، ويُعاد تشكيل الشرق الأوسط لا كمسرح صراع على الهوية والحقوق، بل كمساحة استهلاكية بلا ذاكرة ولا مقاومة.

لكن هذا المشروع، بكل ما فيه من إغراءات مالية وتكنولوجية، سيصطدم في النهاية بحقيقتين راسختين: أن الفلسطينيين ليسوا للبيع، ولا قابلين للذوبان في مخططات النيوليبرالية الاستيطانية؛ وأن كل مشروع تنموي لا يقوم على العدالة والكرامة والسيادة، مصيره الانفجار مهما زُيّن بلغة الأرقام والفرص.