+
أأ
-

عدي عصفور يكتب :- شطرنج جديد في الشرق الأوسط

{title}
بلكي الإخباري

الشطرنج السياسي في منطقة الشرق الأوسط يشهد الآن تحولاً حادًا يهدد بإحداث تغييرات جذرية تمتد آثارها إلى كل ركن من أركان هذه المنطقة المضطربة. الأحداث الأخيرة باتت بمثابة المؤشرات الأولية لترسم ملامح شرق أوسط جديد، بعيد تماماً عن الصورة التاريخية والجغرافية التي ألفها العالم على مدار العقود الماضية. أصبح التقسيم واقعاً يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى، خاصة إذا ما تأملنا الأوضاع الراهنة والاضطرابات التي تجتاح دول منطقة ما بين النهرين.

‏في السنوات الأخيرة، تعرضت سوريا إلى موجات متتالية من التوتر وعدم الاستقرار، وأصبح خطر التقسيم الطائفي واضحاً بشكل ملموس. هذا الأمر تدركه إسرائيل جيداً وتسعى لاستغلاله بطرق متعددة، حيث يأتي دعمها لما يحدث كجزء من استراتيجية تتطلع إلى تفتيت المنطقة بما يخدم مصالحها طويلة الأمد. المشاهد التي نراها اليوم تعيد إلى الذاكرة سلسلة أحداث مشابهة وقعت في العراق خلال العقود الماضية، حين قاد الأكراد هناك حركة تمرد غير مسبوقة على الدولة، وهو تمرد نال دعماً قوياً من إسرائيل والولايات المتحدة. هذه الأحداث تركت بصمتها الفارقة في الخارطة السياسية للعراق، حيث لا تزال الدولة تعاني من آثار تلك التحولات حتى الآن.

‏أما في الحالة السورية، فإن دعم الأقليات مثل الدروز يُلقي بظلاله على تطورات المشهد الداخلي، حيث يبدو أن تكثيف المساعدات لهم يُسهم في تسريع عملية الانقسام ويزيد من حدة التوترات. يروج لهذه السياسات تحت شعارات حماية حقوق الأقليات وضمان مصالحهم، إلا أن الوضع يحمل في طياته أبعاداً أكبر بكثير مما يظهر على السطح. وحتى داخل إسرائيل نفسها، يُعتبر الدروز جزءاً حيوياً يتبوأ مكانة اجتماعية وعسكرية بارزة تضفي على هذا الدعم بعداً آخر.

‏التوترات المتصاعدة في المنطقة تُشكل فرصة ذهبية ليس فقط لإسرائيل، بل أيضاً لدول كبرى لها مصالح متشابكة وأطماع لا تخفى على المراقب المطلع. ومع ذلك، يبدو أن الأيام القادمة تحمل إشارات مقلقة لدول الجوار الإقليمي، حيث تسير ريح التغيير بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً.

‏تركيا، من جانبها، اتخذت موقفاً داعماً للحكومة الحالية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لكنها في ذات الوقت تُثير تساؤلات حول حقيقة نواياها. هل يأتي هذا الدعم كجزء من استراتيجية واضحة لردع إسرائيل؟ أم أن أنقرة تلعب دوراً مزدوجاً، ربما بتوجيه أميركي، بهدف إعادة تشكيل رقعة الشطرنج في الإقليم بما يناسب مصالحها الخاصة؟ تبقى الإجابة على هذه التساؤلات رهينة بما ستكشف عنه الأيام القادمة.

‏ما يحدث في الواقع يشكل رسالة بالغة الأهمية، وهي ليست موجهة فقط للحكومات أو الأنظمة السياسية، بل إنها تحمل أبعادًا أعمق بكثير. هذه الرسالة تستهدف كل فرد يعيش في هذه المنطقة بشكل مباشر، لتسلط الضوء على التوترات المستمرة، الصراعات المتوالية، وأجواء الترهيب الدائم التي أصبحت جانبًا مألوفًا من الحياة اليومية. إنها دعوة للتأمل العميق حول الوضع الراهن وتأثيره على استقرار المجتمع ومستقبل أفراده، مما يجعل الأمر مسؤولية يتحملها الجميع بلا استثناء للعمل على التغيير وبناء واقع افضل