الدكتو ر راكان أبو طرية. يكتب: الأردن... موقف ثابت لا تهزّه حملات التشكيك

الدكتو ر راكان أبو طرية أستاذ العلوم السياسية
في الوقت الذي يتعرض فيه أهلنا في قطاع غزة لأبشع صو ر العدوان والقتل والتدمي ر والحصار، تطلّ علينا أصوات مأجورة ومشبوهة، تشنّ حملة ممنهجة للتشكيك بموقف الأردن وقيادته تجاه القضية الفلسطينية، وكأنها تسعى لطمس الحقيقة وتزييف التاريخ، متجاهلة كل ما قدمه الأردن، وما يزال ، من دعم سياسي وإنساني وتضحيات لا تضُاهى.
إن الموقف الأردني من القضية الفلسطينية لم يكن يومًا موضع مساومة أو تغيرًا حسب المزاج السياسي أو التحالفات الطارئة. فقد حمل الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني هذه القضية في كل محفل دولي ، مدافعًا عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومحذرًا من الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في المسجد الأقصى وسائ ر الأراضي المحتلة.
جلالة الملك، بصفته الوصيّ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، لم يتوا ن لحظة عن الدفاع عن المدينة المقدسة، وعن حقوق الفلسطينيين، ورفع صوتهم في وجه آلة الاحتلال. وكان الصوت الأعلى، والأكث ر ثباتاً، ضد حكومة الاحتلال المتطرفة وسياساتها الإجرامية خلال اثنين وعشرين شهر .
ومن أراد أدلة على صدق الموقف الأردني، فليعد إلى سجل التاريخ ، وليقرأ عن تضحيات الجيش العربي الأردني الذي روى بدمائه الطاهرة أرض فلسطين لا حدودها فحسب، بل مدنها وسهولها وأسوا ر القدس العتيقة. في معارك باب الواد واللطرون والقدس القديمة سقط الشهداء الأردنيون دفاعًا عن فلسطين، كتفًا إلى كتف مع أبنائها، قبل أن يكون هناك أي ضجيج إعلامي أو حسابات سياسية. تلك التضحيات ليست شعارات ، بل قبو ر شهداء لا تزال شاهدة على الدم الأردني المسفوح في سبيل فلسطين.
أما اليوم، فإن شهادات الفلسطينيين أنفسهم تكُذبّ كل الادعاءات المشككة. فقد كان الأردن أول من أرسل المستشفيات الميدانية إلى غزة والضفة الغربية، ولا تزال طواقمه الطبية تقدم الرعاية لضحايا العدوان في أصعب الظروف. كما لم تنقطع المساعدات الأردنية، من غذاء ودواء، رغم الحصا ر والقيود الإسرائيلية المفروضة على المعاب ر. ويكفي أن نتذكر الجسر الجوي من الإغاثة الأردنية الذي لم يتوقف منذ بداية العدوان ، في وقت صمت فيه كثيرون أو اكتفوا بالشعارات.
وهنا نوجه سؤالاً واضحًا وصريحًا لكل من يشكك أو يتطاول: ماذا قدمتم أنتم لغزة؟ كم شاحنة أرسلتم؟ كم جريحًا عالجتم؟ كم موقفًا تبنيتم في المحافل الدولية دفاعًا عن الحق الفلسطيني؟ هل نكتفي بالصراخ من خلف الشاشات ونتخلى عن المسؤولية بينما الأطفال يموتون تحت الأنقاض؟
وإن كان لدى المشككين في موقف الأردن شجاعة حقيقية، فنقول لهم: اتركوا الشاشات، واهجروا غرف الفنادق الفارهة، وتوجهوا بأنفسكم إلى غزة المحاصرة، وقدموا يد العون لشعبها البطل. الزحف نحو فلسطين لا يكون بالكلام، بل بالفعل.
فالتاريخ لا يسجل التغريدات ولا الخطابات المنمقة، بل يسجل من وقف مع الحق ومن تخلى ، ومن ضحى ومن تفرّج.
فقولوا لنا ماذا قدمتم، وسيقول لكم التاريخ ما عليكم.
القضية الفلسطينية هي مسؤولية عربية وإسلامية وإنسانية مشتركة، وليس من الأخلاق ولا من الوطنية أن نكيل الاتهامات للجهة الوحيدة التي لم تتخ ل عن القضية يومًا. الأردن لم يساوم ولم يغيّ ر بوصلته، وسيبقى سنًدًا للفلسطينيين حتى تتحقق العدالة، لا رغبةً في مكاسب ، بل إيمانًا راسخًا بأن أمن فلسطين من أمن الأردن، وأن ما يربط الشعبين أعمق من أن تهزه حملات التحريض أو حملات التشكيك الرخيصة.
ختامًا، نقول لمن يستهدف الأردن وموقفه: لا تعبثوا بثوابتنا، ولا تظنوا أن شعبنا سينج رّ وراء حملات التشكيك.
فالأردنيون يعرفون تاريخهم ، ويعرفون من معهم ومن عليهم، وستبقى فلسطين في قلب الأردن... كما كانت دومًا.



















