+
أأ
-

عدي عصفور يكتب :- فلسطين في مشهد الاعتراف الدولي: مستقبل يحمل تناقضات

{title}
بلكي الإخباري

 

 

تحمل عملية الاعتراف بدولة فلسطين مكتسبات تاريخية لكنها لا تخلو من تعقيدات ترتبط بأبعاد سياسية، جيوسياسية، وحتى اجتماعية. قد يُنظر إلى هذا التحرك كخطوة نحو تحقيق حلم الاستقلال الفلسطيني، بيد أن الاعتراف يحمل في طياته دلالات ضمنية قد تُفسَّر كإقرار غير مباشر بواقع الهيمنة الإسرائيلية على الأرض التي دفع الفلسطينيون أثماناً باهظة للدفاع عنها. طوال عقود من النضال، قدم الشعب الفلسطيني تضحيات جسيمة، سواء بأرواح أبنائه أو استقرار عائلاته، في مواجهة احتلال لم يتردد في ارتكاب أبشع الجرائم، كممارسة القتل الجماعي، شن الحروب، تهجير السكان، واستخدام وسائل التعذيب. كما أن تأثير الاحتلال لم يتوقف عند حدود فلسطين فحسب، بل امتد ليزعزع استقرار دول الجوار ويعبث بمقدراتها.

موقف بعض القوى الغربية المتبنية لفكرة استقلال فلسطين لا يعكس بالضرورة نوايا صادقة تجاه الشعب الفلسطيني. بل يرتبط بسعيها لتحقيق أهداف استراتيجية تأمل من خلالها فرض واقع سياسي جديد على الفلسطينيين والعالم العربي، حتى لو بدا الأمر ظاهرياً كإنجاز مُشرِف بقيام دولة فلسطينية. إسرائيل بدورها أدركت بعد سنوات طويلة أن محاولات طمس القضية الفلسطينية لم تحقق غايتها المنشودة. لذا لجأت إلى تكتيكات بديلة أكثر فعالية تستهدف تغذية الانقسامات الداخلية وزرع التوتر بين الأحزاب والجماعات الفلسطينية، سعياً لإضعاف المقاومة بشكل تدريجي وتمهيد الطريق لفرض سيطرتها.

قد يؤدي الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية إلى إسقاط العديد من أدوات المقاومة الشعبية تحت وطأة المركزية السياسية المتوقعة. من جهة أخرى، تبرز خيارات أكثر براغماتية لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة ضمن مشاريع تتحدث مثلاً عن دمج فلسطين مع الأردن في إطار إداري مشترك أو نظام حكم لا مركزي. مثل هذه السيناريوهات قد تُطرح كبدائل عن تهجير السكان، خاصة وأن مشاريع التهجير القائمة منذ عقود لم تثمر عن تغييرات جذرية. على المدى الطويل، مثل هذه الحلول قد تعزز موقف إسرائيل أمنياً وجيوسياسياً عبر تأمين حدود مستقرة وتوفير ضمانات ضد أي تهديد داخلي محتمل.

ما يثير الحزن والأسف هو احتمال أن يؤدي الاعتراف بدولة فلسطينية إلى تهديد القضية تدريجياً ودفعها نحو التلاشي ضمن تفاصيل الخلافات السياسية والإدارية. إذ أن بعض القوى قد تجد فرصة لتقديم قرارات تخدم مصالح إسرائيل أكثر مما تخدم حقوق الفلسطينيين. وهنا علينا أن نتذكر بأن دعم الدول الكبرى الذي يبدو ظاهرياً أنه يصب في صالح الحقوق الفلسطينية قد يكون في الواقع امتداداً لدور هذه القوى في تقسيم المنطقة ودعم إنشاء إسرائيل من البداية بوسائل سياسية وعسكرية مختلفة.

أما من يرى أن الاستناد للقانون الدولي والإطار الحقوقي كأداة لمواجهة تمدد إسرائيل فهو رأي يفتقر إلى الواقعية بالنظر للمعطيات الحالية التي تؤكد أن القوة العسكرية والتحالفات الدولية هي المحدد الأساسي لمسار القرارات الإقليمية. يمكن رؤية هذا النمط بشكل واضح في سياقات متعددة مثل سوريا، العراق، اليمن، ولبنان حيث نتجت أزمات خانقة عن التداخل العميق بين أدوار الأطراف المحلية والخارجية.

الأكثر إثارة للقلق هو كيفية تحول شخصيات كانت تُصنف بالأمس كإرهابية وفق رؤية الغرب إلى قادة سياسيين يُروَّج لهم على أنهم يسعون لاستقرار بلادهم ومصالح شعوبهم. كل ذلك يحدث تحت غطاء الحملات الإعلامية الدولية التي توظف ما يُعرض أمام المشاهد بطريقة تخدم أجندات معقدة ترتبط بالمصالح الكبرى. في نهاية المطاف، نقع في مأزق استهلاك محتوى مُوجَّه على الشاشات بينما تُغيب الحقائق الحقيقية خلف كواليس لعبة دولية تتداخل فيها المصالح باسم الحرية والاستقلال.