+
أأ
-

الأردن: بين قوة الدولة ورحمة الحاكم

{title}
بلكي الإخباري

 

 

كتب الناشر - خلال أسفاري المتكررة، التقيت بزميل جزائري يحمل فكرًا قوميًا عميقًا، ودار بيننا حديث مطوّل عن أبرز قضايا المنطقة، وعلى رأسها قضية غزة. فوجئت بسؤاله الصادم: "لماذا الأردن جبانة؟". لم أتقبل هذا الوصف، ورددت عليه بسؤال استنكاري: “وهل دولة وقفت سدًا منيعًا في وجه تحولات الإقليم ترصع أنها جبانة؟”

لم يتردد صاحبي في الإقرار بقوة الأردن الخارجية، بل وعبر عن عشقه لهذه الدولة التي يراها آخر ما تبقى في بلاد الشام من كيان متماسك. لكنه سرعان ما عاد ليؤكد على وجهة نظره قائلاً: “لكنها جبانة أمام معارضيها المحليين. فكل من شتمها، ومس سيادتها، وأساء لها، نجده اليوم في منصب رفيع، ويتنقل من منصب لآخر، ومنهم من تم إسكاته بمبالغ طائلة!”

 

كان هذا الاعتراض، رغم قسوته، يلامس نقطة حساسة في المشهد السياسي الأردني. كيف يمكن لدولة قوية في الخارج، أن تُظهر ما يبدو للبعض على أنه ضعف في الداخل؟

 

حاولت أن أدافع عن بلادي، مؤكدًا أنها دولة "رحيمة، غير حاقدة، تعطي كل ذي حق حقه ولو كان معارضًا". هذه الحجة، التي تعكس قيم التسامح التي نؤمن بها، هي حجة نبيلة بلا شك. لكن هل تُقرأ دائمًا على أنها رحمة؟ أم قد يفسرها البعض على أنها ضعف أو هشاشة سياسية؟

إن الدولة التي تتبنى سياسة الاحتواء والتسامح مع معارضيها هي دولة واثقة من نفسها، وتؤمن بأن الحوار هو السبيل الأفضل لإدارة الاختلافات. لكن في المقابل، فإن التسامح يجب أن لا يتحول إلى تساهل يمس هيبة الدولة وسيادتها. يجب أن يكون هناك خط فاصل واضح بين حرية التعبير، التي هي حق لكل مواطن، وبين التجاوزات التي تستهدف أمن الوطن واستقراره.

قد يكون تفسير صديقي الجزائري قاسيًا والذي استحلفني بالله ان لا اذكر اسمه ، لكنه يعكس رؤية خارجية ترى في هذه السياسات نوعًا من التناقض. فكيف لدولة قادرة على إدارة ملفات إقليمية معقدة، أن تبدو وكأنها تتنازل عن ثوابتها أمام ضغوط داخلية؟

 

في النهاية، يظل الأردن دولة ذات خصوصية فريدة، توازن بين ثوابت داخلية وتحديات إقليمية. إن سياسة "الرحمة" التي نؤمن بها كقيمة، هي في الوقت نفسه تحدٍّ يتطلب حكمة بالغة في التنفيذ. فكيف يمكن للأردن أن يجمع بين قوته الإقليمية التي أثبتها للعالم، وبين إدارة حاسمة وحازمة للساحة الداخلية، دون أن يفقد قيمه الإنسانية؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، ويجب أن يجد إجابة مقنعة، ليس للمراقبين الخارجيين فقط، بل للمواطن الأردني نفسه.