فيجا ابو شربي. تكتب : يا بني لا تفقد بوصلة الوطن

يا بني،
ستأتي أيام قد لا أكون فيها إلى جوارك، سواء طالت هذه الفترة أو قصرت، فهي آتية لا محالة. ولهذا السبب قضيت عمري كله أزرع فيك ما يعينك على مواجهة تلك اللحظات، حتى لا تقف يومًا بلا سند ولا بوصلة.
أول ما أوصيك به أن تتمسّك بجذورك. لا تدع بريق الحياة وزخرفها يخدعك أو يقتلعك من أرضك. قد تجد في الحضارات الأخرى، ولا سيما الغربية منها، جوانب من الرقي والتنظيم قد تفوق ما عندنا، لكن الوطن ليس مجرد عمران أو أنظمة. الوطن يا ولدي هو مسقط الروح، هو الأمان حين يُنتزع الأمان من كل مكان آخر.
وإياك أن تظن أنّ الغربة خلاص، فهي قد تُحتمل على الجسد، لكن غربة الروح أشد فتكًا، تُذيب المرء في صمت حتى لا يبقى له من نفسه شيء. من فقد وطنه فقد مرآته، وتاريخه، ولغته، وذاكرته التي تُعرّفه بنفسه.
أوصيك بأبنائك من بعدك، فإنهم امتدادك الحقيقي. لا تدع الحضارة المادية التي تنسى الروح تبتلعهم. علّمهم أن يحفظوا التوازن بين حاجات الجسد ونبض الروح، وأن يبقوا أوفياء لجذورهم مهما بَعُدت بهم الطرق. فالمجتمع الذي يقطع صلته بروحه يُخرِج أجيالًا تملك الوسائل ولا تملك الغايات، تعرف كيف تعيش ولا تعرف لماذا تعيش. وحينها تكون قد خسرت أبناءك، وخسروا هم وطنهم، وعدت أنت خالي الوفاض بلا سند ولا رفيق لروحك.
الوطن يا بني ليس حملًا ثقيلًا، بل هو نعمة لا يعرف قدرها إلا من ذاق مرارة الاقتلاع وغربة الروح والجسد معًا. فاجعل وطنك دائمًا مرجعك، ولا تسمح أن يُنتزع من قلبك أو من قلوب أولادك.
يا بني : احرص أن تظل روحك متصلة بجذورها، وأن تحفظ أبناءك من الضياع، لتبقى بوصلة حياتك مستقيمة، لا تنحرف، حتى وإن غاب عنك من كان يومًا حارسًا ودليلًا.


















