رمزي الغزوي : المختلف الذي يكسر الإيقاع

«أكثر ما يكرهه القطيع هو إنسان يفكر بشكل مختلف». ليست عبارة شوبنهاور هذه جملة عابرة من كتب الفلسفة، إنما صفعة على وجه السكون. فالجماعة لا يزعجها وجود الرأي الآخر بقدر ما يروعها أن يرى فرد واحد نفسه في المرآة، فيكشف لهم هشاشة الطمأنينة التي يتدثرون بها.
القطيع يعشق الإيقاع الموحد، الخطوات المكررة، الوجوه المتشابهة. لكنه يرتجف حين يتقدّم عقل واحد ليشق الصف، كوتر نافذ في موسيقى رتيبة. المختلف لا يهددهم بقدر ما يفضحهم؛ يريهم أن بإمكانهم أن يفكروا، لكنهم آثروا الصمت.
منذ بدء التاريخ، لم يخلُ المشهد من غرباء حملوا مشاعل الفكر وسط الظلام: فلاسفة أُحرِقوا وعلقوا على المشانق، شعراء نُفوا من مدنهم، علماء أُسكتوا بالحديد والنار. لكن أصواتهم ظلت ترنّ في أصداء الصمت، فالحقيقة لا تحتاج إلى جمهور لتثبت وجودها. يكفي أن ينهض فرد واحد، صادق مع نفسه، ليترك أثراً أبقى من صخب القطيع.
أن تفكر وحدك معناه أن تتذوق مرارة الوحدة، أن تجلس على مقعد بارد في آخر القاعة بينما الأعين تتجنبك. لكنه صمت يلمع؛ لأنه يحمل بذرة الحرية. والحرية لا تنبت في ظل الإجماع، بل في شق صغير يحدثه الفرد في جدار العادة.
شوبنهاور، بكل سوداويته، لمس جوهراً لا يصدأ: أن التفكير المختلف مقاومة وجودية ضد الذوبان. المختلف ليس ترفاً ولا نزوة عابرة، بل إعلان شجاع أن الذات كينونة كاملة، لا نسخة باهتة من الآخرين. ولذلك يصبح المختلف خطراً، كونه يعرّي حقيقة الموقف. فما سيبقى في النهاية ليس هتاف الحشود بل تلك الخطوة الوحيدة، الثقيلة، التي فتحت فجوة في جدار الصمت.
وكل هذا بطولة لا تُصنع في الساحات ولا في المنابر، بل في الداخل أولا: لحظة يجرؤ الواحد على السير في العتمة، واثقاً من أن خطوته ستفتح ممراً للضوء، ولو تأخر الآخرون عن اللحاق به


















