الأردن يعتمد وثيقة المساهمات المحددة وطنيا بنسختها الـ3

تضع النسخة الـ3 من المساهمات المحددة وطنيا، الأردن أمام نقطة انطلاق جديدة لتضمين مسار صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، ضمن الإستراتيجيات القطاعية الوطنية، لتظل مساهمته في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ طموحة، ومرتكزة بقوة على مبادئ اتفاقية باريس.
ويسعى الأردن في وثيقة المساهمات الـ3، التي رُفعت الى أمانة الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لتغير المُناخ (UNFCCC) الشهر الحالي، لتجاوز الأهداف المشروطة لعتبة تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس البالغة 31 %، شريطة أن تحظى بدعم شراكات دولية، والتمويل المطلوب.
ولتحقيق ذلك، وفق ما ورد في الوثيقة، التي تنفرد الـ"الغد" بنشر تفاصيلها، سيكون عبر السعي نحو تنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر، وحلول تخزين الطاقة المتقدمة، واعتماد تدابير الكفاءة الصناعية.
وتمكن الأردن من خفض ما نسبته 24 %، من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2024 من أصل31 % كان قد وضعها كهدف له في النسخة الـ2 من وثيقة المساهمات المحددة وطنيا (NDCs).
وكان التوسع السريع باستخدام الطاقة المتجددة أحد العوامل الرئيسة وراء ذلك، فوفقًا لوزارة الطاقة والثروة المعدنية، ارتفعت حصة مصادر الطاقة المتجددة بتوليد الكهرباء في الأردن من ما يقارب 12 % عام 2020، إلى 28.5 % في عام 2024، وهي قفزة ملحوظة بلغت 16.5 نقطة مئوية.
في الوقت نفسه، بدأ الأردن يشهد إقبالًا مطردًا على التنقل الكهربائي، حيث ارتفعت نسبة انتشار المركبات الكهربائية من 1 % إلى 21 % من الأسطول الوطني، وهو ما يمثل ما يقرب من 120,000 مركبة موزعة على أساطيل القطاعين العام والخاص.
وأدت حلول المناخ القائمة على الطبيعة دورًا مهما، حيث توسعت جهود التشجير، واستعادة المراعي بمقدار 1000 دونم إضافية، وزرعت مليون شجرة، و32500 شجرة في المناطق الحضرية، ما أدى إلى حجز حوالي 11900 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
في حين أن المشاريع الخاصة بالقطاعات، والتي تتراوح من محطات تحلية المياه الموفرة للطاقة، إلى تدابير الحد من انبعاثات صناعة الإسمنت، أدت دورا أيضا كبيرا بذلك الخفض.
وتعتمد الوثيقة نهجاً شاملاً على مستوى الاقتصاد يربط الإجراءات المتخذة عبر جميع القطاعات الرئيسة لضمان مساهمة كل قطاع مساهمة فعّالة في التحول المناخي الوطني.
وفي قطاع الطاقة، في حين أن مصادر الطاقة المتجددة تساهم بالفعل بنسبة 28.5 % من توليد الكهرباء، فإن المزيد من التوسع مقيد بقيود الشبكة، وتحديات انقطاع التيار الكهربائي. ولمعالجة هذا الأمر، ستعطي وثيقة المساهمات الوطنية المحددة الثالثة الأولوية للاستثمارات في حلول التخزين على نطاق المرافق، بما في ذلك أنظمة البطاريات، ومنشآت الطاقة الكهرومائية، مما يتيح انتشاراً للطاقة المتجددة يتجاوز 35 %.
وبالتوازي مع ذلك، سيعمل الأردن على تسريع عمليات تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر، الذي يُعد أداة إستراتيجية لإزالة الكربون محلياً، وسلعة تصديرية محتملة، لا سيما في إطار شراكة الصفقة الخضراء بين الاتحاد الأوروبي والأردن.
أما بقطاع النقل، وبالاستناد للتقدم المحرز باعتماد المركبات الكهربائية، والمرحلة الأولى من نظام الباص السريع (BRT1)، سيضع الأردن نهجًا لتعزيز هذه المكاسب عبر استكمال مشروع الباص السريع (BRT-2)، وتحديث أساطيل الشحن، واتخاذ خطوات ملموسة نحو تحويل قطاعي الأساطيل والنقل من الوقود التقليدي إلى الغاز الطبيعي، وإنشاء شبكة شحن سريع على مستوى البلاد.
ونظرا لأن انبعاثات النقل ما تزال أحد أسرع مصادر غازات الاحتباس الحراري نموا، فإن الوثيقة تقدم تخطيطا متكاملا للتنقل الحضري، وحوافز مُستهدفة لتشجيع التحولات في وسائل النقل نحو خيارات نقل أكثر استدامة.
وعبر دمج المساهمات المحددة وطنيًا 3.0 بالإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، يضمن الأردن ألا يُعامَل العمل المناخي كأجندة موازية، بل كمحركٍ للتحديث، وتعبئة رأس المال الخاص، وتعزيز أمن الطاقة، وخلق فرصٍ للشباب والنساء في القطاعات المُوَجَّهة نحو المستقبل.
وسيعمل البنك المركزي الأردني، كمؤسسة أساسية لتمكين النظام المالي من تحقيق أهداف المساهمات المحددة وطنياً في نسختها الثالثة.
وتماشياً مع الإستراتيجية الوطنية للتمويل الأخضر، سيوجه البنك المركزي القطاع المصرفي نحو توسيع خطوط الائتمان الخضراء، وتحفيز الإقراض لمشاريع الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والنقل المستدام، والزراعة المقاومة لتغير المناخ، وتسهيل إصدار السندات والصكوك الخضراء.
وعبر دمج تقييم مخاطر المناخ في الرقابة المصرفية، وتعزيز المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، سيعمل البنك المركزي على مواءمة تدفقات رأس المال مع مسار التنمية الأردني منخفض الكربون والمقاوم لتغير المناخ، وفق ما ورد في نص الوثيقة.
وعلى صعيد قطاع المياه، تشير الوثيقة الى أن مساهمة القطاع بالتخفيف والتكيف سينعكس عبر مشروع تحلية، ونقل المياه الرئيس العقبة-عمان، الذي يستخدم التقنية الموفرة للطاقة، ويغطي 50 % من احتياجاته من الطاقة المتجددة.
وسيتم توسيع نطاق التدابير التكميلية، كالضخ منخفض الانبعاثات، وبرامج الحد من التسرب، والعمليات المرنة لتغير المناخ، عبر مرافق المياه.
وفي قطاعي الزراعة والغابات، سيوسع برنامج عمل الوثيقة نطاق اعتماد الممارسات الذكية مناخيا، بما في ذلك الري الدقيق، وأصناف المحاصيل المقاومة للجفاف، والإدارة المتكاملة للآفات، ما يقلل الانبعاثات ويعزز القدرة على التكيف.
وسيتم ربط مبادرات التشجير مع الإستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي وخطة العمل، في حين سيواصل العمل على استصلاح المراعي على نطاق واسع لامتصاص الكربون، وتوفير منافع مشتركة لسبل العيش الريفية.
وستشهد إدارة النفايات تحولا كبيرا نحو نموذج الاقتصاد الدائري، بحيث ستُركز الجهود الآن على التغلب على انخفاض معدلات إعادة التدوير، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص.
وستشمل التدابير برامج إلزامية لتوسيع نطاق مسؤولية المُنتج، وأنظمة رقمية لتتبع النفايات، ومشاريع تحويل النفايات إلى طاقة.
وعلى صعيد قطاع الصناعة، سيتم تسريع عملية إزالة الكربون عبر آليات تمويل قائمة على النتائج واتفاقيات نقل تكنولوجيا مُستهدفة.
وفي القطاع الصحي، ستدمج وثيقة المساهمات الثالثة الإستراتيجية الوطنية التي أُطلقت حديثاً لتكيف قطاع الصحة مع تغير المناخ المرونة المناخية في تقديم الخدمات.
ويشمل ذلك التخطيط المراعي لمنظور النوع الاجتماعي، وتوسيع أنظمة الإنذار المبكر للمخاطر الصحية المتعلقة بالمناخ، وتطوير البنية التحتية المصممة لتحمل ظواهر الحرارة الشديدة والفيضانات.
وعلى مستوى الأنظمة الحضرية، سيخفف إطلاق مشاريع البنية التحتية الخضراء والحلول القائمة على الطبيعة من آثار ظاهرة الجزر الحرارية، ويحسن ظروف العيش، ويحقق فوائد مشتركة لكل من التخفيف والتكيف.
وستدمج خطة المساهمات الوطنية المحددة وطنيا إستراتيجيات وخطط عمل تغير المناخ لمدنه وبلدياته الرئيسة، بما في ذلك أمانة عمان الكبرى، وبلديات إربد الكبرى، والمفرق الكبرى، ومادبا، والكرك، والطفيلة، وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، كمكونات أساسية لإطار التنفيذ الوطني.
وسيتم مواءمة التدابير البلدية مع أهداف المساهمات المحددة وطنيا، ورصدها عبر نظام القياس والإبلاغ والتحقق، ودعمها بالإستراتيجية الوطنية لتمويل المناخ.
وسيضمن هذا التكامل مساهمة العمل المناخي المحلي بشكل مباشر بتحقيق الأهداف الوطنية، وإتاحة الوصول للتمويل الأخضر، وانعكاس الاحتياجات والفرص المتنوعة في السياقات الحضرية والإقليمية في الأردن.
وسيدمج البنك المركزي تقارير تمويل المناخ في النظام الوطني لإعداد التقارير المالية، مما يضمن رصد التدفقات نحو التخفيف والتكيف بشفافية، بما يتماشى مع إطار الشفافية المُعزز لاتفاقية باريس.
وسيُفعّل البنك المركزي التصنيف الوطني للتمويل الأخضر، ويُصدر إرشادات تمويل أخضر على مستوى القطاع، ويطلب الإفصاح عن مخاطر المناخ من الجهات الخاضعة للتنظيم.
وستعزز هذه التدابير قدرة الأردن على تعبئة رأس المال المحلي والدولي على نطاق واسع، مع الحفاظ على الاستقرار المالي، وضمان اتساق تدفقات التمويل مع مسار تنمية منخفض الانبعاثات وقادر على التكيف مع تغير المناخ.
ووفق الوثيقة سيتم تأطير العدالة والطموح بموجب مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة والقدرات الخاصة في سياق انخفاض انبعاثات الفرد في الأردن، وارتفاع قابلية التأثر بتغير المناخ، وسجله الحافل بتحقيق الأهداف المشروطة بشكل يفوق التوقعات، على الرغم من محدودية الحيز المالي.
وستُسند ترتيبات التنفيذ أدوارًا واضحة لوزارة البيئة، والوزارات القطاعية، والجهات الفاعلة المحلية، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص.
وسيتم تعزيز إطار عمل نظام القياس والإبلاغ والتحقق عبر التشغيل الكامل لنظام القياس والإبلاغ والتحقق وتوسيعه ليشمل المزيد من القطاعات وعناصر تتبع التمويل.
وعلى المستوى الوطني، ستقدم اللجنة الوطنية لتغير المناخ، برئاسة وزارة البيئة، وعضوية 16 أمينًا عامًا من الوزارات الرئيسة (المياه، الطاقة، الزراعة، التخطيط، الصناعة، إلخ)، التوجيه الإستراتيجي والإشراف للوثيقة.
ولتعزيز الدعم السياسي، ستضمن جلسات الإحاطة البرلمانية المنتظمة التوافق بين الأحزاب والتأييد المستدام.
ونظرا لأن 63 % من سكان الأردن تقل أعمارهم عن 30 عاما، فإن تمكين الشباب أمرٌ بالغ الأهمية، وستُسهم أنشطةٌ مثل المؤتمر المحلي للشباب (LCOY)، ومنصات المناصرة الرقمية، والتدريب على الوظائف الخضراء في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة والنقل المستدام، في تنشئة جيل جديد من قادة المناخ.
وبناءً على خطة عمل الأردن للمساواة بين الجنسين والإستراتيجية الوطنية للمرأة، ستُدعى منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء، والباحثات، وخبراء النوع الاجتماعي، إلى المشاورات والمجموعات الفنية التابعة للجنة الوطنية لتغير المناخ.
وسيشارك القطاع الخاص، عبر اجتماعات موائد مستديرة مُخصصة لقطاعات مُحددة في قطاعات مثل الطاقة، والنقل، والإسمنت، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والسياحة، والتمويل.
كما سيتم إنشاء آلية حوار مهيكلة بين القطاعين العام والخاص لمواءمة حوافز السياسات مع احتياجات الاستثمار، بدعم من فريق عمل التمويل الأخضر المُكوّن من البنوك والمستثمرين لتصميم أدوات تمويل المناخ.
















