سارة طالب السهيل تكتب : الطفل العربي.. بين الأمان المفقود والمستقبل المنشود

في كل عام، وتحديدًا في الأول من أكتوبر، تقف الأمة العربية عند محطة فارقة تحتفي بيوم الطفل العربي. لكنه ليس مجرد موعد على رزنامة المناسبات، بل نافذة على المستقبل، وصوت ضمير حي يذكّر الجميع بأن الطفولة هي الجذر الأول لشجرة الأمة، وأملها في غد أكثر إشراقًا.
فالطفل العربي، الذي عاش وما زال يعيش تحت وطأة الحروب والنزاعات والحرمان، يستحق أن يكون له يومٌ خاص لا للاحتفال فقط، بل ليكون صرخة حقوق، وجرس إنذار للتقصير، وأغنية أمل تتغنى بها الأوطان.
التعليم النوعي: حق لا رفاهية
هل يحصل الطفل العربي حقًا على تعليم يليق بذكائه وأحلامه؟
قد نتصور أن مجرد جلوسه في الصف يكفي، لكن التعليم الحقيقي يعني:
معلّم مؤهل يشعل الفضول لا يطفئه. ومناهج حديثة تفتح مدارك الإبداع بدل حشو الذاكرة. وبيئة آمنة تحترم إنسانيته وتتيح اللعب والفن والرياضة. وعدالة في الوصول فلا يُترك أبناء المخيمات والقرى لمصير مجهول.
كم طفل عربي يحمل حقيبة مدرسية لكنها لا تقوده إلى مستقبل؟ وكم آخر حُرم أصلًا من مقعد دراسي بسبب النزاعات والفقر؟
الطفل الذي يُحرم من التعليم النوعي يُسرق منه المستقبل قبل أن يبدأ. أما حين نستثمر في تعليمه، فنحن في الحقيقة نستثمر في مناعة أمة كاملة.
اللعب والإبداع: رفاهية أم ضرورة؟
حين تنظر في عيون الأطفال ترى الحلم مشتعلاً كشرارة لا تنطفئ. لكن، هل يجد الطفل العربي مساحة للعب والإبداع؟
في ظل شوارع مكتظة بلا حدائق.. وبيوت ضيقة بلا ركن للخيال.. ومدارس تُعاقب أكثر مما تحتضن.
اللعب ليس مضيعة للوقت، بل مختبر صغير يتعلم فيه الطفل التعاون وحل المشكلات. والإبداع ليس ترفًا، بل طاقة كامنة قد تتحول إلى اختراع وفن وفكر.
أليس مؤلمًا أن يصبح اللعب رفاهية مؤجلة؟ وأن تذبل بذور الإبداع قبل أن ترى النور؟
الطفولة الآمنة الحلم الأصعب
من حق الطفل أن ينمو في حضن أمان بعيدًا عن العنف والتهميش. لكن الحقيقة أن ملايين الأطفال العرب يكبرون تحت القصف، أو في دوامة فقر مدقع، أو بين جدران عنف أسري يسلبهم براءتهم.
الطفولة الآمنة ليست فقط غياب الرصاص، بل حضور الطمأنينة: سقف يحمي، يد حانية، كلمة طيبة، قانون يحمي من الاستغلال، ومجتمع يرفض أن يترك طفله رقمًا منسيًا.
تخيل طفلًا صغيرًا يبيع المناديل في شوارع مزدحمة، بينما حلمه البسيط أن يجلس على مقعد مدرسي. هل هذا هو المستقبل الذي نرضاه؟
الإعلام شريك الطفولة
الإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل هو صانع وعي ومهندس رأي عام. دوره في يوم الطفل العربي حاسم:
الإعلام المرئي يمنح الطفل صورته الحقيقية بلا تهويل أو استغلال.
والإعلام الرقمي يتيح له التعبير عن صوته بنفسه.
والإعلام المكتوب يوثق التجارب ويغرس الوعي بحقوقه.
حين يتبنى الإعلام قضايا الطفولة بجدية، فإنه يصبح جسرًا نحو وعي جماعي يحمي الأجيال
الأدب.. لسان الطفولة وأحلامها
الأدب هو النافذة التي يرى منها الطفل عالمًا أجمل فالقصة تعلّمه كيف يحلم ويواجه الخوف.
والشعر يفتح له نوافذ الجمال.
والمسرح يدرّبه على الحوار وفهم الآخر.
أدب الأطفال ليس ترفًا، بل هو بناء وجداني وفكري، وهو البذرة التي تنمو منها هوية تحترم الطفولة وتؤمن بها.
يوم للتعهد والوعد
إن يوم الطفل العربي ليس بروتوكولًا احتفاليًا، بل مرآة نرى بها أنفسنا ونرى من خلالها مستقبلنا فرجال اليوم أطفال الأمس
هل كرمنا أطفالنا حقًا؟
هل وفّرنا لهم التعليم والأمان والفرص؟
أم تركناهم ضحايا للتهميش والعنف والحرمان؟
فلنجعل هذا اليوم بداية فعل لا نهاية خطاب.
فلنحوّل الاحتفاء إلى التزام بمدرسة في كل قرية، حديقة في كل حي، قصة ملهمة في كل بيت، وطفولة محمية في كل بيت عربي.
إنه يوم العهد والوعد عهد أن نصون الطفولة، ووعد أن نصنع لهم غدًا يليق بضحكاتهم.


















