مصطفى الريالات يكتب : زيارة ولي العهد لفرنسا.. محطـة دبلوماسيـة مهـمـة للأردن على الساحة الدولية

مصطفى الريالات رئيسُ التحريرِ المسؤولُ جريدة الدستور
تأتي زيارةُ سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، إلى فرنسا في إطار جولاته الإقليمية والدولية، التي تهدف إلى دعم مواقف جلالة الملك، والسعي لتعزيز استقرار المنطقة وتأمين مزيد من المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة.
وشكّلت الزيارة، التي تُعدُّ الأولى من نوعها لسموه إلى فرنسا، استجابةً لدعوةٍ شخصيةٍ من الرئيس الفرنسي، حيث حظيت بحفاوةٍ بالغةٍ تجلّت في الاستقبال الرسمي في قصر الإليزيه، ولقاء رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، مما يعكس تقديرًا عميقًا لدور سموه ورؤيته الثاقبة في ظلِّ المتغيرات الإقليمية المتسارعة. وركّزت محادثات سمو ولي العهد على تعزيز أواصر التعاون مع الجانب الفرنسي، وخاصة في المجالات الواعدة كالتكنولوجيا وبناء المهارات والريادة والاقتصاد الرقمي.
واطّلع سموه على عدد من أبرز المبادرات الفرنسية في القطاع التكنولوجي، مثل المقر الرئيسي لشبكة «42» المجانية لتعليم البرمجة، التي افتتحت فرعًا لها في الأردن بالتعاون مع مؤسسة ولي العهد، كما زار مجمع «ستيشن إف» للشركات الناشئة، الذي يُمثّل نموذجًا رائدًا لدعم حاضنات الأعمال والمبتكرين في المجالات التقنية.
ولم تقتصر الزيارة على الجوانب الاقتصادية والتقنية، بل شملت بحث سبل التعاون الدفاعي، انسجامًا مع اهتمام سموه بالشؤون العسكرية، حيث التقى برئيس أركان الجيش الفرنسي، وزيارة لقوات الدرك الوطني.
كما شمل برنامج الزيارة عقد أول لقاء لسمو ولي العهد مع المدير المنتخب لمنظمة اليونسكو، وهو أول عربي يتولى هذا المنصب الرفيع، وذلك لتوطيد سبل التعاون مع المنظمة في مجالات حفظ التراث والسياحة، وتعزيز التعليم التقني والمهني.
البعد الثقافي والدولي: التعاون مع اليونسكو
أضاف اللقاء مع الدكتور خالد العناني، المدير العام المنتخب لمنظمة اليونسكو، بُعدًا ثقافيًا ودوليًا بارزًا للزيارة:
* الوصاية الهاشمية والقدس: شدد ولي العهد على الدور التاريخي والديني للأردن في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من خلال الوصاية الهاشمية، مؤكدًا على ضرورة حماية الهوية العربية الإسلامية والمسيحية الأصيلة للقدس وتنفيذ قرارات اليونسكو ذات الصلة.
* التعاون في مجال التراث والتعليم: بحث اللقاء سبل تعزيز التعاون في الحفاظ على التراث الثقافي والإنساني، بما في ذلك إدراج مواقع أردنية جديدة مثل محمية العقبة البحرية على قائمة التراث العالمي، وكذلك تطوير التعليم المهني والتقني في الأردن.
تمثل زيارة ولي العهد الأردني إلى فرنسا نقلة نوعية في عمق وإستراتيجية العلاقات بين البلدين. فهي زيارة تتسم بالاستقلالية السياسية والبراغماتية الاقتصادية، وتعكس رؤية المملكة الجديدة تحت قيادة ولي العهد التي تضع المصالح الوطنية في الصدارة، مع السعي لتعزيز الشراكات الدولية المبنية على المنفعة المتبادلة. كما أنها تؤكد على الدور الجيوسياسي المتعاظم للمملكة كفاعل مركزي في معالجة القضايا الإقليمية والدولية.
الأبعاد الاقتصادية والتنموية
لم تكن الزيارة سياسية بحتة، بل حملت أبعادًا اقتصادية واضحة تتماشى مع جهود الأردن لتحقيق التنمية المستدامة:
* تعزيز التعاون في مجال المياه والطاقة: يُعد مشروع الناقل الوطني للمياه (تحلية ونقل المياه من العقبة إلى عمان) من المشاريع الاستراتيجية للأردن ، حيث تؤكد إشادة ولي العهد بدعم فرنسا لهذا المشروع الحيوي سعي الأردن لتعزيز الشراكات الدولية في مجالات الأمن المائي والطاقة.
* التركيز على اقتصاد المعرفة والرقمنة: تجسّد هذا البعد من خلال زيارة ولي العهد إلى مجمع «ستيشن إف» للشركات الناشئة، الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم. خلال الزيارة، استعرض سموه جهود الأردن في تطوير الاقتصاد الرقمي وبيئة ريادة الأعمال، مشيرًا إلى الميزة التنافسية للأردن المتمثلة في الكوادر البشرية المؤهلة في مجالات التكنولوجيا والهندسة.
الأبعاد السياسية والإقليمية للزيارة
تمثل هذه الزيارة محطة دبلوماسية مهمة للأردن على الساحة الدولية، ويمكن تحليل أبعادها على النحو التالي:
* تعزيز التحالف الثنائي التاريخي: جاءت الزيارة في إطار علاقة ثنائية قوية تمتد لما يقارب ثمانية عقود. من خلال اللقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، سعت المملكة إلى تعميق هذا التحالف الاستراتيجي وتحديث أطر التعاون في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
* تأكيد الموقف الثابت من القضية الفلسطينية: مثلت القضية الفلسطينية محورًا رئيسيًا في النقاشات. وجدّد ولي العهد التأكيد على الموقف الأردني الثابت والداعي إلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أشاد بدعم فرنسا وجهودها لحشد الدعم الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية ووقف الحرب على غزة.
* دعم استقرار الجوار الجغرافي: أظهرت الزيارة الدور الأردني المحوري في دعم استقرار الإقليم، حيث أكد سمو ولي العهد على دعم جهود سوريا ولبنان في الحفاظ على استقرارهما وسيادتهما ووحدة أراضيهما. هذا الموقف يعكس إدراك الأردن بأن أمنه مرتبط بشكل وثيق بأمن محيطه الإقليمي


















