المحامي حسام خصاونة يكتب :عندما تدق أجراس الخطر من وحي تصريحات رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة

ربما كانت كلمات رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة حول أن من يولد اليوم قد يحتاج ثلاثًا وسبعين عامًا ليحصل على وظيفة حكومية قد جاءت في سياق الحديث أو أُخذت على نحو مجتزأ من مقطع أطول وربما لم يكن القصد الحرفي منها هو الرقم ذاته لكن المغزى الذي حملته هذه الكلمات أعمق بكثير من مجرد رقم
هي كلمات شاء قائلها أم لم يشأ دقت جرس الخطر في وجه واقع يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم وجعلتنا نلتفت بجدية إلى أزمة كنا نحاول تجاوزها بالمسكنات أو بتأجيل النقاش حولها أزمة البطالة وفرص العمل التي تمس كل بيت أردني وكل أسرة لديها ابن أو ابنة ينتظران الأمل
لقد وقعنا في الكثير من الأزمات لأننا اعتدنا أن نؤجل الحلول وأن نهرب من المواجهة اعتدنا أن نتحدث في الأمنيات بدلًا من مواجهة الحقائق وأن نغلف مشاكلنا بعبارات التطمين بدل أن نضعها على الطاولة بشجاعة واليوم جاءت هذه التصريحات لتذكرنا بأن الوقت لم يعد يسمح بالمجاملات وأن مواجهة الواقع هي الخطوة الأولى للإصلاح الحقيقي
لقد آن الأوان للاعتراف بأن الحكومات المتعاقبة قصرت في معالجة ملف البطالة وتراخت في إيجاد فرص عمل حقيقية ولم تتبن رؤية اقتصادية شاملة تتكامل فيها السياسات التعليمية مع احتياجات السوق فاستمر التضخم في أعداد الخريجين واستمر الاعتماد المفرط على الوظيفة الحكومية دون تحفيز حقيقي للقطاع الخاص أو خلق بيئة جاذبة للمستثمرين كما أن غياب التنظيم الفاعل للقطاع الحكومي وعدم مراجعة أولوياته جعل الكفاءة تُستبدل بالروتين والبيروقراطية فاختنق الأمل بين طموحات الشباب وضيق الواقع
نحن بحاجة إلى مصارحة وطنية شجاعة تقر بأن المشكلة ليست في الشباب بل في السياسات التي أدارت هذا الملف لعقود دون رؤية واضحة وأن الوقت قد حان لإعادة النظر في النهج برمته عبر التخطيط الطويل المدى وتحفيز الابتكار والريادة ودعم التعليم المهني والتقني والزراعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وفتح شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص تقوم على العمل لا على الشعارات
إن تصريحات رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة حتى لو كانت رقمية أو نظرية قد سلطت الضوء على حقيقة أكبر من الرقم نفسه أننا أمام مفترق طرق يتطلب منا جميعًا أن نتحمل مسؤوليتنا وأن نخرج من دائرة التبرير إلى مساحة الفعل لأن الأوطان لا تُبنى على الانتظار بل على الجرأة في التغيير
وفي النهاية نقول شكرًا لمن قال الحقيقة ولو قصدت أو أسيء فهمها لأن الصدمة أحيانًا هي ما نحتاجه لنستفيق والاعتراف بالمشكلة هو أول طريق الحل أما الهروب من الواقع فلم يعد خيارًا لأن المستقبل لن ينتظرنا أكثر
#المحامي حسام حسين الخصاونة
#عضو المكتب السياسي للحزب الوطني الإسلامي


















