نيفين عبدالهادي تكتب: غزة بعد السلام.. بلا سلام

غزة بعد السلام، وإنهاء الحرب وفقا لاتفاق يقضي بذلك، هي في واقع الحال غزة بعد السلام بلا سلام، وبلا أمن، وما تزال تتعرض للقصف الإسرائيلي، وما يزال عدد الشهداء يرتفع يوميا، ناهيك عن واقع الأسرى الفلسطينيين ممن أطلقت إسرائيل سراحهم، مع كل أسير حكاية تحكي وجعا وألما وتعذيبا، وواقع جثامين الشهداء في سجون الاحتلال الذين قامت بتسليمهم وما كانوا قد تعرضوا له من تعذيب لا يستوعبه عقل، ولا يدركه قلب، ولا تحتويه ذاكرة.
وفيما تصر إسرائيل على التزامها بوقف إطلاق النار، فإنها تنفذ يوميا العديد من الهجمات على قطاع غزة، ووفقا لما كشفته الصحة الفلسطينية فإن 40 شهيدا فلسطينيا سقطوا بنيران إسرائيلية منذ بدء تطبيق اتفاق وقف النار، ليس هذا فحسب إنما ما تزال إسرائيل تصر على استمرار إغلاق معبر رفح البري، كل هذا وأكثر يشكل انتهاكا لاتفاق الهدنة، التي وافقت عليها إسرائيل، وأقرتها أمام العالم، لتجعل من غزة بعد السلام، بلا سلام.
بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب على غزة، علا الصوت الأردني بقيادة جلالة الملك أن يكون هناك متابعة لتنفيذه، ذلك أن إسرائيل لا تريد السلام، ولم تأخذ بالكثير من اتفاقيات السلام على محمل التنفيذ، ومؤخرا قال جلالة الملك عبد الله الثاني في حديثه عن نتنياهو إنه «لا يثق بشيء مما يقوله»، لكنه أضاف أنه يؤمن بوجود إسرائيليين يمكن للقادة العرب العمل معهم لبناء السلام»، وحذر جلالته بعد اتفاق إنهاء الحرب من أن «الشيطان يكمن في التفاصيل» في الاتفاق الذي توسط فيه ترمب، مشددا جلالته «على أنه بعد تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، سيكون من الضروري أن يظل الرئيس الأميركي منخرطًا في العملية».
قول جلالة الملك عبد الله الثاني، وتحذيرات جلالته تأتي من حكمة جلالته، وعمق معرفته في ظروف المرحلة، والمساعي التي بذلت وما تزال لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل، ما يجعل من تحذيرات جلالته اليوم واقعا ملموسا، فإسرائيل خرقت اتفاقها الأخير عشرات المرات، بل استفاقت غزة اليوم التالي لتوقيع الاتفاق على قصف إسرائيلي استشهد جرّاؤه عشرات الشهداء، أغلبهم من الأطفال والنساء، ما يجعل من اتكاء العالم على مبدأ توقيع اتفاق إنهاء الحرب أمرا يعيد واقع غزة للمربع الأول، إذ يجب متابعة تنفيذه، وإلزام إسرائيل بذلك، فالشيطان يكمن بالتفاصيل، ومن الضروري أن يظل الرئيس الأمريكي منخرطا في العملية، دون ذلك فالخطى ستسير للخلف في تحقيق السلام وليس للأمام، ولا حتى البقاء إلى حيث وصل، بل هو تراجع يقود لهلاك الشرق الأوسط!!!
ما تقوم به إسرائيل منذ أيام، إذا ما حاولنا إغماض العين عن جرائمها بحق الأسرى في سجونها، وواقعهم الخطير، وبالنظر إلى انتهاكها لاتفاق وقف إطلاق النار، أو كما أطلق عليه إنهاء الحرب، نجد أن إسرائيل للأسف تصرّ على ذات المنهجية اليمينية المتطرفة، وما تزال تضع السلام على مفترق الحياة من عدمها، تهدد حتى الأمل بتحقيقه، وبطبيعة الحال تضع فلسطين والمنطقة في مهب ريح الهلاك، ما يحتّم عودة العين الأمريكية لتتابع تنفيذ الاتفاق، وبقاء المتابعات العربية والدولية لضمان أمن وسلامة الأهل في غزة، وتنفيذ عملي وحقيقي لوقف إطلاق النار، والأخذ بصوت الأردن على محمل اليقين بأن إسرائيل يجب متابعتها لضمان التزامها.
تستفيق غزة يوميا على صوت القذائف والصواريخ، وتتسارع الخطى في نقل الشهداء، والجرحى والمصابين، فلم يتغير على يومها أي شيء بعد اتفاق إنهاء الحرب، فما تزال الحرب عليهم مستمرة بعد العامين بمزيد من الأيام، والشهداء والجرحى والدمار، المتابعة للالتزام ضرورة وليست ترفا، أو خطوة قد يظن البعض بعدم ضرورتها!!!


















