هيئة مكافحة الفساد… صمام النزاهة وثقة الدولة بالمواطن

سيف الدين وجيه أبوخضير
في مسيرة بناء الدولة الحديثة، تبقى النزاهة والشفافية ركيزتين لا يمكن الاستغناء عنهما، ومن هنا جاءت هيئة مكافحة الفساد لتجسّد الإرادة الوطنية في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وحماية المال العام من أي عبث أو تجاوز. فالهيئة، منذ تأسيسها، لم تكن مجرّد جهاز رقابي إداري، بل تحوّلت إلى ذراع وطني لحماية الضمير العام، وضمان العدالة في التعامل مع مقدّرات الوطن ومصالح المواطنين.
لقد نشأت الهيئة استجابةً لرؤية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في ترسيخ منظومة النزاهة الوطنية ومكافحة الفساد بأشكاله كافة، بما ينسجم مع القيم التي يقوم عليها المجتمع الأردني. ومع مرور السنوات، أصبحت الهيئة مركزاً محورياً في تنسيق الجهود الوطنية لمكافحة الفساد، من خلال استقبال الشكاوى، والتحقيق في القضايا، ونشر ثقافة النزاهة في المؤسسات العامة والخاصة.
وتمتاز الهيئة بأن عملها لا يقتصر على ملاحقة الفاسدين فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى الوقاية والتوعية؛ إذ تعمل على تعزيز قيم النزاهة في التعليم والإدارة والاقتصاد، وتربط بين الإصلاح الإداري والإصلاح الأخلاقي. فكل ورشة تدريبية، وكل تقرير توعوي، وكل توصية تصدرها، تمثّل خطوة جديدة في طريقٍ طويل لبناء الثقة بين المواطن والدولة.
لقد حققت الهيئة خلال السنوات الماضية إنجازات ملموسة في استعادة الأموال العامة، وفي كشف العديد من قضايا الفساد الإداري والمالي، وأسهمت في تطوير التشريعات التي تعزّز مبدأ المساءلة والشفافية، بالتعاون مع مجلس الأمة ومؤسسات الدولة المختلفة. كما أنها تسير بخطى متسارعة نحو رقمنة خدماتها وإجراءاتها، لتكون أكثر كفاءة وفاعلية في أداء مهامها ضمن رؤية التحديث الشاملة للدولة الأردنية.
إن محاربة الفساد ليست مهمة جهة واحدة، بل هي مسؤولية وطنية مشتركة، تبدأ من الفرد وتنتهي بالمؤسسة. وهيئة مكافحة الفساد، في هذا الإطار، تُعدّ القاطرة التي تقود الجهود الوطنية نحو بيئة خالية من الفساد، ومجتمعٍ تسوده العدالة وتُصان فيه الحقوق وتُحترم الواجبات.
وفي ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه المنطقة والعالم، يظل الأردن نموذجاً في قدرته على الجمع بين الحرية والمسؤولية، وبين الشفافية والعدالة، وهي معادلة لا يمكن أن تستمر إلا بوجود مؤسسات قوية مثل هيئة مكافحة الفساد، التي تمثّل اليوم خط الدفاع الأول عن قيم الدولة الأردنية الحديثة وعن ثقة المواطن في مؤسساتها.


















