زياد العليمي يكتب :- الوطن ليس "قناعاً" للاسترزاق! المزايدون على الهوية الوطنية: صناعة الوهم بـ "قلبين" و "لسانين"

تكتظ ساحات الرأي والواقع اليوم بشخصيات أشبه بـ "المتذبذب الأبدي"، تلك الكائنات التي تتخذ من قضية الأمة ورداء الوطنية فضفاضاً تتستر خلفه، لا حباً صادقاً بالتراب، بل بحثاً عن موطئ قدم في مراكز القوة أو الشهرة الزائفة. هذا النمط، الذي يتقن فن التلوّن، هو أكثر من مجرد "منافق"؛ إنه مهندس النفاق الجديد الذي يصنع لنفسه وجهين، وقلبين، وموقفاً لكل مصلحة عابرة.
إن أخطر ما يواجه المجتمعات ليس الخائن المعلن، بل "المزايد الوطني" الذي يرفع راية الحرص على الوطن أكثر من اللازم، ليصرف الأنظار عن حقيقة أفعاله أو خواء مبادئه. هذا الشخص، تجده في المجالس الخاصة يهمس بالشك والتشاؤم، وعندما يضيء ضوء الكاميرا أو يُفتح باب المنفعة، يتحول فجأة إلى "الغيور" الذي يصب جام غضبه على أي صوت يطالب بالإصلاح أو النقد البناء، متّهماً إياه بالتقصير أو التخوين.
> في جوهر الأمر، الوطنية بالنسبة لهم ليست إخلاصاً، بل هي عملة تداول. يقتاتون على إثارة العواطف، ويتغذون على الاستقطاب الحاد، ويستخدمون لغة "الخطر الداهم" ليبرروا بها مواقفهم المتقلبة وقراراتهم الشخصية. إنهم يبيعون الوهم بـ "كارت وطني" يظنون أنه يمنحهم صكوك الغفران الأبدية.
لكن الجدلية الحقيقية تكمن في متانة هذا "القناع المزدوج". فالتذبذب المستمر بين الموقف ونقيضه، يولد شرخاً لا يمكن ترميمه في المصداقية. عندما ينهار الموقف الذي تم التضحية من أجله بالثبات والقيم، يجد صاحب الوجهين نفسه معزولاً، بلا حقيقة يعود إليها، وبلا هوية يرتكن إليها. هنا يدرك المجتمع أن أعلى أصوات الوطنية ليست بالضرورة أصدقها، وأن الحرص الحقيقي يظهر في "الثبات على المبدأ" لا في "براعة التلون
إن المعيار الفاصل للوطنية ليس ضخامة الشعار، بل مدى الاتساق بين القول والفعل. فهل يخدم هذا التذبذب مصلحة الوطن، أم أنه يخدم فقط مسيرة صعود شخصية مريضة بالانتهازية؟ الإجابة واضحة: الوطن بحاجة إلى "عمود فقري من المبادئ" لا إلى "قشة عائمة من المصالح" فلننزع الأقنعة ولنكشف زيف المزايدة، فالمتاجرة بقيمة مقدسة كهذه هي أقصى درجات الإساءة للوطن.


















