+
أأ
-

د. عمار النوايسة يكتب :الاستثمار ينمو... لكن لمن؟

{title}
بلكي الإخباري

 

 

نقرأ بين الحين والآخر تقارير دولية تشيد ببيئة الاستثمار في الأردن، وآخرها تقرير وزارة الخارجية الأميركية الذي وصف الأردن بأنه يحافظ على جاذبيته الاستثمارية رغم ما يحيط به من اضطرابات إقليمية وتحديات اقتصادية. لا شك أن في ذلك شهادة إيجابية للدولة الأردنية على قدرتها على الصمود في محيط مضطرب، لكنها في الوقت ذاته تفتح الباب لسؤال وطني مشروع: هل هذا التحسّن يُترجم فعلاً إلى تحسّن في حياة المواطن الأردني؟

لقد استقطب الأردن – بحسب التقرير – استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 1.6 مليار دولار في عام 2024، وحقق نمواً اقتصادياً بنسبة 2.5%. أرقام قد تبدو مشجعة في ظاهرها، لكنها في باطنها تطرح تساؤلاً عميقًا حول نوعية هذا النمو وأين يتجه ريعه. فالنمو الذي لا يخلق فرص عمل كافية، ولا يخفّض نسب البطالة، ولا يرفع من مستوى معيشة المواطن، هو نموٌّ غير شامل، ومؤقت الأثر.

الاستثمار ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لبناء اقتصاد منتج يُعيد الثقة بين الدولة والمواطن. ما نحتاجه اليوم ليس فقط تسهيل تسجيل الشركات أو تقليص الإجراءات الإدارية، بل تحويل بيئة الاستثمار إلى بيئة عدالة اقتصادية، يشعر فيها الأردني أن تحسين الاقتصاد يعني تحسين واقعه هو، لا واقع قلة من المستفيدين.

فإذا كانت جاذبية الأردن للمستثمر الأجنبي تتعزز، فإن السؤال الأكبر هو:

هل جاذبيته لأبنائه تتراجع؟

كم من الكفاءات الأردنية تبحث عن فرصة عمل خارج الوطن؟ وكم من الشباب يشعر أن طموحه لا يجد أرضًا خصبة هنا؟

الإصلاح الاقتصادي الحقيقي لا يُقاس بعدد الاتفاقيات الموقعة ولا بحجم التدفقات الأجنبية، بل بمقدار ما ينعكس على المجتمع من فرص وعدالة وتكافؤ في التوزيع. أما السياسات التي تركز على تحسين المؤشرات في التقارير الدولية دون أن تلمس هموم الناس، فإنها تُجمّل الصورة من الخارج وتُغفل الأساس من الداخل.

نحن بحاجة إلى رؤية وطنية للاستثمار، لا تستند فقط إلى جذب رأس المال، بل إلى بناء الإنسان الأردني كأصل استثماري أول. فكل دينار يُستثمر في التعليم العادل، والصحة، ومكافحة الفساد، ورفع كفاءة الإدارة العامة، يعود أضعافاً مضاعفة على الوطن.

يبقى السؤال مفتوحاً أمام صانع القرار:

هل سنكتفي بالثناء الدولي، أم سنحوّل هذه التقارير إلى فرصة لمراجعة داخلية شجاعة تُعيد التوازن بين الاقتصاد والإنسان؟

متى سنتوقف عن خبر صباحي تعيين فلان ابن فلان رضي الله عنه في منصب مرموق.

طبتم وطابت جمعتكم بذكر الله