د محمد بني سلامة يكتب :- نوّاب الأمة.. ومسرح الفضائح المفتوحة!

بقلم غاضبٍ من زمنٍ صار فيه الشرف خبرًا، والحياء هامشًا، والمهنية نادرة الوجود.
يا للأسف!
نستيقظ كل يوم على “مشهد جديد من المسرحية الوطنية الطويلة” التي بطلها بعض من يفترض أنهم “حماة الكرامة وممثلو الشعب”، فإذا بنا نكتشف أن بعضهم — سامحهم الله — لم يفهم بعد أن النيابة ليست لقبًا فخريًا ولا وسيلة لتحسين الوضع العائلي!
أن يصل الحال إلى الحديث عن “إلحاق زوج نائب” بمجلس النواب، هو أمر — في ذاته — لا يثير الدهشة بقدر ما يثير الغثيان من طريقة التعامل معه: نوابٌ يتصرفون وكأنهم فوق المحاسبة، وإعلاميون يتسابقون وكأنهم في سوق فضائح لا في منبر مسؤول.
وكأننا أمام مشهد تراجيدي ساخر: نائب يفتح الباب لتأويلات تمس سمعته، ومواقع إخبارية تفتح النوافذ لتدخل منها رياح الشك والشماتة!
أيها السادة النواب،
من نال ثقة الأمة لا يجوز له أن يفتح المجال ليُنال من نزاهته أو يُتهم في شرف تمثيله. الكرسي النيابي ليس “منصبًا عائليًا”، ولا يفترض أن يتحول المجلس إلى “فرع توظيف خاص” أو “مؤسسة خيرية” لأقارب النواب وأزواجهم!
إنكم اليوم في زمنٍ تُقرأ فيه الوجوه قبل السطور، وتُحسب الأنفاس قبل الأصوات، وكل هفوةٍ تفتح أبواب الجحيم على المؤسسة بأكملها.
لكن، هل اللوم كله يقع على النائب؟
كلا، فالإعلام — للأسف — لم يفوّت الفرصة ليغرز أنيابه في اللحم النيابي الطري، ويحوّل القصة إلى “وليمة رقمية” يتنافس فيها من يهاجم أكثر ومن يلمّح أجرح.
أين المهنية؟ أين احترام القارئ؟
هل صارت “النكشة الإعلامية” بديلاً عن التحقيق الجاد؟
وهل بات التشهير أداةً للسبق الصحفي؟
إن معالجة مثل هذه القضايا يجب أن تكون بشفافية، لكن أيضًا باحترام للعقول. فمن حق المواطن أن يعرف الحقيقة، ولكن ليس من حق أحد أن يُحوِّل الأخطاء إلى مسرحٍ للشماتة، ولا المؤسسات إلى مادة للتندر والسخرية.
ومع ذلك — وللأمانة — فإن كل تصرفات النواب وانفعالاتهم، مهما بلغت، لا تُقارن بما نسمعه من تصريحات وقرارات بعض “كبار المسؤولين” الذين يجيدون فنّ الإضرار بسمعة البلاد والعباد دون أن يرفّ لهم جفن!
تصريحات عشوائية، وقرارات مرتجلة، وكلمات تخرج من أفواههم كالرصاص الطائش، تصيب صورة الوطن قبل أن تُصيب أحدًا سواه.
إن ضرر بعض هذه التصريحات — والله — أشد على الدولة من ألف “تعيين شخصي” أو “تصرف نيابي غير موفق”.
لذلك، أطالب — وبكل وجعٍ وسخريةٍ ممزوجة بالحرقة — أن يُربط بعض هؤلاء “الكبار” في منازلهم ربطًا محكمًا، وأن يُمنعوا من مغادرتها إلا بمرافقة “عاقل رشيد”، ويُمنعوا من التصريح للإعلام تحت أي ظرف، لأن كل مرة يتكلمون فيها ينكمش الوطن خجلاً، ويضيع الرأي العام بين الهزل والذهول.
كفى عبثًا بسمعة البلد!
لقد ملّ الناس من سماع أعذارٍ تُسكب فوق أخطاءٍ فادحة، ومن مشهدٍ متكرر يُقدَّم فيه العبث بلبوس الرسمية.
يا سادة، الوطن ليس مسرحًا ولا ساحة تجارب، ومن أراد أن يخدمه فليصمت قليلاً ويفكر كثيرًا، لأن الصمت في زمن الفوضى أحيانًا أبلغ من كل الكلام.


















