د. رعد محمود التل : الملك في طوكيو: شراكة اقتصادية جديدة بين الأردن واليابان

تشكل الزيارة الملكية إلى طوكيو محطة اقتصادية مهمة في مسار العلاقات الأردنية اليابانية، إذ تأتي في وقت يسعى فيه الأردن إلى توسيع قاعدة شركائه الاقتصاديين واستقطاب استثمارات نوعية تدعم رؤية التحديث الاقتصادي. الزيارة ركزت على البعد العملي للعلاقات الاقتصادية، من خلال فتح قنوات جديدة بين القطاعين العام والخاص، وتحويل التعاون القائم إلى شراكة إنتاجية طويلة المدى.
اليابان تعد من أبرز الشركاء التنمويين للأردن منذ نحو أربعة عقود، إذ أسهمت عبر وكالة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) في تنفيذ مشاريع استراتيجية في قطاعات المياه والطاقة والنقل. ومن أبرز المشاريع الأخيرة "مشروع إدخال نظام التحكم في إمدادات المياه في محافظة معان” بقيمة نحو 89 مليون دولار، ومشروع "تعزيز قدرات تشغيل منظومة الكهرباء” بقيمة حوالي 60 مليون دولار. كما شمل التعاون "برنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية” الذي قدم تمويلات بلغت نحو 48 مليون دولار عام 2023 و50 مليون دولار عام 2024، تأكيدًا لاستمرارية الدعم الياباني لجهود الإصلاح والتنمية في الأردن.
هذا التعاون لم يقتصر على المشاريع التنموية، بل يقوم على إطار مؤسسي متين من الاتفاقيات الثنائية. فقد وُقعت بين البلدين اتفاقيات في مجالات المساعدة التقنية عام 1985، والنقل الجوي عام 1995، والإعفاء المتبادل من رسوم التأشيرات عام 1997، والتعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية عام 2012، والدفاع عام 2016، وصولًا إلى اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار الموقعة عام 2020، التي شكلت نقلة نوعية في البيئة القانونية للاستثمار بين البلدين.
اقتصاديًا، بلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن واليابان عام 2024 نحو 560 مليون دولار. وبلغت الصادرات الأردنية إلى اليابان نحو 68 مليون دولار، معظمها من الفوسفات والأسمدة، فيما وصلت الواردات اليابانية إلى الأردن إلى نحو 493 مليون دولار، وتتركز في السيارات والإطارات والمعدات الصناعية. هذه الأرقام تُظهر أن الميزان التجاري لا يزال يميل لصالح اليابان، لكنها في الوقت ذاته تعكس وجود قاعدة تبادل قائمة يمكن البناء عليها لتوسيع نطاق الصادرات الأردنية، خصوصًا في الصناعات التحويلية والغذائية والتعدينية.
اللقاءات التي عقدها جلالة الملك في طوكيو مع ممثلي الشركات اليابانية وغرفة التجارة والصناعة ومنظمة التجارة الخارجية اليابانية (جيترو) عكست توجهًا نحو إدخال التعاون إلى مرحلة جديدة. فقد دعا جلالته إلى إنشاء نافذة استثمارية مشتركة لتنسيق الفرص ومتابعتها، واقترح عقد منتديات أعمال أردنية - يابانية منتظمة لتعزيز التواصل بين المستثمرين، مع التركيز على مجالات التحول التقني، الزراعة الذكية، الخدمات اللوجستية، التصنيع الغذائي، والصناعات الكيماوية والمعدنية.
تعكس الزيارة أيضًا إدراكًا أردنيًا لأهمية التغيرات في سلاسل الإمداد العالمية، حيث تسعى الشركات اليابانية إلى تنويع مواقع إنتاجها وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية. وفي هذا السياق، يقدم الأردن بيئة استثمارية مستقرة وبوابة استراتيجية نحو أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. هذه المزايا تمنحه موقعًا تنافسيًا يسمح بتحويل التعاون الأردني الياباني من دعم تنموي إلى شراكة إنتاجية قائمة على التكنولوجيا والمعرفة.
تُمثل زيارة جلالة الملك إلى اليابان خطوة استراتيجية لترسيخ الدبلوماسية الاقتصادية الأردنية، وتعزيز موقع المملكة كدولة تسعى لتعزيز المكانة الانتاجية لها ومتصلة بالاقتصاد العالمي. اليابان بدورها ترى في الأردن شريكًا موثوقًا يسهم في استقرار المنطقة، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي المتوازن والمستدام بين البلدين.
قسم الاقتصاد/ الجامعة الاردنية


















