+
أأ
-

الحسين الباني: فلسفة الثبات والمناورة في عاصفة الشرق الأوسط

{title}
بلكي الإخباري

 

شهدت فترة حكم المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال رحمه الله  والذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده منعرجات تاريخية جسيمة، ولم يكن من الممكن العبور بالأردن إلى بر الأمان لولا فلسفة حياة سياسية عميقة اتسمت بـالبراغماتية المتجذرة في الثوابت الوطنية. 

لقد تمحورت هذه الفلسفة حول مبدأ رئيسي هو حماية الكيان الأردني وتحقيق الحياة الفضلى لشعبه، وفقا  لشعاره الخالد: "الإنسان أغلى ما نملك".

كان الملك الحسين يمتلك قدرة فريدة على جمع الأضداد والمواءمة بين المتناقضات في بيئة عربية وإقليمية شديدة التقلب والاستقطاب. تجلّت هذه الفلسفة في أنه كان نصيراً ثابتاً للقضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وفي الوقت ذاته كان واقعياً يدرك أن المصلحة العليا للدولة تتطلب بناء علاقات متوازنة دولياً لضمان الاستقرار والحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري. وفي خضم محاولات الانقلاب والأزمات المتتالية، كان يواجه الخطر بـشجاعة مستمدة من إيمانه العميق بـالقدر. هذه القدرية منحته راحة في اتخاذ القرارات المصيرية دون خوف مفرط من العواقب الشخصية، وهو ما مكنه من اتخاذ خطوات جريئة كـتعريب قيادة الجيش عام 1956. بالإضافة إلى ذلك، آمن الملك بضرورة التحديث وفتح آفاق الديمقراطية والتعددية السياسية  كما حدث مع عودة الحياة النيابية عام 1989 مع التمسك بـأصالة الهوية الأردنية.

كانت  المناورة السياسية الأسلوب الأكثر بروزاً في حكم الملك الحسين، حيث وظفها كدرع لحماية كيان بلده الهش جغرافياً ومحدود الموارد ونجح في الموازنة بين الأقطاب العربية، حيث استطاع التوفيق بين تيارات المد القومي العربي والتحالفات الإقليمية المضادة، مستخدماً الأردن كـمركز اعتدال لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات. كما اعتمد سياسة الابتعاد عن الاصطفافات الكاملة دولياً، فكان يقترب من محور ويتباعد عن آخر حسب ما تقتضيه مصلحة الأردن في الحصول على المساعدات العسكرية والاقتصادية، محولاً موقع الأردن الجيوسياسي المعقد من عبء إلى ورقة ضغط أحياناً. وظهرت قدرته على المناورة في قرارات مصيرية مثل فك الارتباط القانوني والإداري عن الضفة الغربية عام 1988، وهو قرار صعب ولكنه حاسم لحماية الأردن من ضغوط  الوطن البديل وتأكيداً على الهوية الفلسطينية المستقلة. 

كانت فلسفة الملك الحسين هي فن البقاء وبناء الثبات في قلب منطقة مضطربة، عبر قيادة حكيمة جمعت بين المرونة المطلقة في التكتيكات والثبات المطلق في الهدف: أمن واستقرار وازدهار المملكة الأردنية الهاشمية.

رحم الله الحسين الباني