فجوة النضج: هميسات يمزق النسيج السياسي بالهجوم الشخصي ونفاع تحيك رداء المؤسسة برصانة دستورية.

شهدت قبة البرلمان اليوم (الاثنين) مواجهة حامية، تجاوزت حدود السجال النيابي المعتاد، لتلامس الأسس الفلسفية للعمل الديمقراطي وحدود الصلاحيات الدستورية في المملكة. ففي رد حاد اتسم بالعمق السياسي والرصانة الدستورية، قامت النائب هدى نفاع بالرد على المداخلة النارية التي أطلقها زميلها النائب أحمد هميسات بخصوص تصريحات سابقة لأمين عام حزب سياسي حول مصير مجلس النواب. ولم يكن رد نفاع مجرد دفاع عن تصريحات الأمين العام، بل كان هجوماً مضاداً على منهجية "الاجتزاء السياسي" و"حظر النقاش العام" الذي حاول هميسات فرضه.
إعادة تعريف النضج الديمقراطي
افتتحت النائب نفاع مداخلتها بتأكيد لا يقبل الجدل على أن الأردن "دولة ديمقراطية منيعة"، مستخدمة إشادة المراقبين الدوليين والمحليين كدليل ملموس على أن "مكانة الأردن الديمقراطية مثبتة بالفعل وليس بالشعارات". وبهذا، وضعت نفاع أساساً للمناقشة يقوم على "الواقع المؤسسي" الثابت، رافضةً السماح بزج المؤسسات الدستورية في "تجاذبات ظرفية". وقد وجهت نفاع انتقاداً مباشراً لزميلها هميسات، الذي كان قد هاجم تصريحات الأمين العام ووصفها بـ "المستغربة والمستهجنة"، مُعلنةً أن "قراءة العناوين بطريقة متجزأة تختلف تماماً عن فهم مضمون الحوار السياسي". هذا الانتقاد هو بمثابة توبيخ منهجي للمحاولات التي تُركز على العبارات المنفصلة لتشويه نقاش سياسي أوسع.
ترسيم حدود الصلاحية والحوار
النقطة الأكثر عمقاً في مداخلة نفاع كانت الفصل الحاسم بين "الصلاحية الملكية المطلقة" و"الحوار السياسي الطبيعي". أقرت نفاع بوضوح أن صلاحية حل مجلس النواب هي "صلاحية حصرية لجلالة الملك، ولا نقاش فيها". وبهذا، نزعت أي شرعية عن اتهام هميسات بتجاوز صلاحيات الملك. لكنها استدركت مؤكدة أن أي حديث "ما عدا ذلك هو حوار سياسي طبيعي يُطرح على الطاولة". هنا، أكدت نفاع حق النخب السياسية والمحللين في النقاش المفتوح حول مصير المؤسسات وسيناريوهات المستقبل، طالما أن هذا النقاش لا يمس بالصلاحيات الدستورية الواضحة. لقد دعت إلى "عدم الخلط بين جوهر النقاش السياسي المفتوح وبين الصلاحيات الدستورية".
البرلمان كمركز "صناعة القرار"
اختتمت نفاع مداخلتها بتوجيه سؤال ذكي ومبطن، رداً على محاولات الانتقاص من دور المجلس: "أليس مجلس النواب جزءاً أصيلاً من السلسلة الدستورية وصاحب موقع متقدم في صناعة القرار الوطني؟". هذا التساؤل لم يكن دفاعاً عن المجلس فحسب، بل كان إعادة تأكيد على الوزن السياسي للمؤسسة التشريعية، ورفضاً لمحاولة أي طرف (سواء كان نائباً أو حزباً) التقليل من شأنها.
وألزمت النائب هدى نفاع في ختام حديثها الجميع بـ "احترام الحوار وعدم إساءة قراءة التصريحات أو تحميلها ما لا تحتمل"، لتنتهي الجلسة بتأكيد أن الدولة الأردنية "قوية، منيعة، وراسخة في ديمقراطيتها"، وأن سلاح الرد على التكهنات يجب أن يكون النضج السياسي والالتزام المنهجي، لا الصدام اللفظي.


















